تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"من الناحية الأخلاقية لا يمكننا أن ندخل في باب الأخلاق أي عمل إذا لم يكن شعورياً وإرادياً وانعقدت عليه النية في آن واحد" (ص 429)، فالقرآن يتطلب منا الشعور النفسي وحضور الذهن فيما نقول ونفعل، " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ" (النساء:43)، كما يتطلب منا الضمير الأخلاقي رضا القلب وتلقائية الفعل " وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ" (التوبة:54)، ويلخص الأمثلة القرآنية الكثيرة الحديث المعروف في صحيح البخاري "إنما الأعمال بالنيات" والذي يعني أن الأعمال لا توجد (أخلاقياً) إلا بالنوايا (ص 431)، لكن المسلك الحسن لا ينحصر في حسن النية وحدها، بل في مجموع من الشكل، والمادة، بحيث لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر، (ص 443)، فإذا كان العمل بلا نية كان باطلاً أخلاقياً، وإن حضر العمل مع النية وكانت سيئة كنا عملاً لا أخلاقياً، وإن لم يطابق العمل النية كان انحرافاً، فإذا تطابق العمل والنية مع حضورهما كانت (الأخلاقية الكاملة) مع أفضلية النية، (ص 462)، إما إذا وجدت النية من غير عمل "فإن للنية دائماً أجرها، ولكنها كلما اقتربت من العمل غنيت بالقيم، بحيث لا تبلغ قيمتها إلا في العمل التام" (ص 467)، ويصل في النهاية إلى أن النية خير، والعمل القائم على نية الخير ارفع، لأنه العمل الأخلاقي الكامل (ص 470).

وفي دراسته لدوافع الخير وبعد استعراضه شواهد وأمثلة من النصوص يصل إلى أن في الأخلاق منطقة وسطى بين الحسن والقبيح، وأن تدخل النية الحسنة يجعل الأعمال المباحة أو التي قلما ندب إليها الشرع حسنة وجديرة بالثناء. (ص 536)، وكذلك النيات السيئة مؤثرة ايضاً، فان البواعث التي تنضاف إلى إرادة الطاعة تعرض قيمة العمل للخطر وتحركه من رضا الله تبارك وتعالى (ص 567).

الجهد

المطالبة باستخدام الطاقة الأخلاقية ترددت كثيرا في القرآن، كالدعوة المستمرة لبذل الجهد المستمر لفعل الخير ومقاومة الهوى واحتمال الشرور وكظم الغيظ، أو أداء الواجبات، دون أن يفرض على الإنسان ما ليس باستطاعته، بل أدخل القرآن الفكرة الجهد في تحديد الإيمان الصادق نفسه: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" (الحجرات:15)، (ص 588).

ويفرق القرآن بين نوعين من الجهد، جهد المدافعة للميول الخبيثة التي تحث على الشر، وأمثلة ذلك في القرآن الحديث قهر الشهوات ونهي النفس عن الهوى، (ص 594) والجهد المبدع بالبحث الجاد عن الخير، والاختيار الصالح من احتمالاته، والبحث عن الأفضل من مستويات الصالح، (ص 613)، "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (المائدة:43)، والأفضل هنا ليس حداً أعلى، إنما للمقارنة، فهو كل امتداد يقع فوق التكليف، يتنافس فيه الناس ويرقي كل واحد منهم إليه بالتدريج (ص 622)

ما ذكر يتعلق بالجهد الباطني أما الجهد البدني فإن أخلاق القرآن لم تأمر بالبحث عن الألم البدني، بل حرمته، " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (المائدة:87)، وبالتالي فالجهد البدني لا يمكن أن تكون له قيمة منفصلة عن مضمونه، فالأمر به في القرآن من هذه الناحية، (ص 631)، وليس في أي من النصوص الآمر به أية إشارة إلى اعتبار الألم البدني واجباً، أو نتيجة من نتائج الواجب التي تستهدفها الشريعة، بل إن القرىن يعفي الإنسان مما يتجاوز مقدوره، ويلزمه بتسخير قواه في سبيل المثل الأعلى بما لا يستهلك حياته ويستنفد قواه، (ص 653)، فالقرآن لا يدعونا إلى بذل أقل الجهد، وهو لا يرضى لنا أن نرتد أمام المشقات الأولى "بل إن شعاره دائماً هو: جاهدوا – اصبروا – صابروا – افعلوا الخير"، فالاعتدال الذي يمدحه الإسلام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير