تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء: 81]

فنخرج من هذا أن المقسم بع هو الرياح في الآية الأولى لأنها ترسل متتابعة ثم تصبح بعد ذلك ريحا في الآية التالية لأنها أصبحت عاصفة ويبعد قول من قال أن المراد من ذلك أنها عاصفة في حمل الخير , والراجح أنه المراد منها العاصفة كما يفهمها أي إنسان , تلك الريح التي تعصف بما يقابلها!

إذا فالله تعالى يقسم بقوى خفية من قوى الطبيعة قد تحمل في طياتها الخير والرخاء ولكنها في نفس الوقت قد تتحول إلى عذاب ووبال يحمل في طياته الموت والهلاك , وهذه القوة الطبيعية ليست متحركة بذاتها أو بطريقة عشوائية وإنما هي مرسلة.

ثم ينتقل الحديث بعد ذلك عن صنف آخر بدليل استعماله سبحانه وتعالى الواو , فيقول الله تعالى " والناشرات نشرا " فما هي الناشرات؟

بداهة لفظة النشر هي من الألفاظ المعروفة المألوفة للقارئ ونزيده معرفة فنقول , نشر كما جاء في المقاييس:

" النون والشين والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على فَتْحِ شيء وتشعُّبِه. ونَشَرت الخشبةَ بالمنشار نَشْراً. والنَّشْر الرِّيح الطيِّبة. واكتَسَى البازِي ريشاً نَشَراً. أي منتشِراً واسعاً طويلاً. ومنه نَشَرتُ الكِتاب. خِلاف طويتُهُ. ونَشَر الله الموتَى فَنَشَروا. وأنْشَرَ الله الموتَى أيضاً. قال تعالى: ثُمَّ إذا شَاءَ أَنْشَرَه [عبس 22]، ثم قال الأعشَى: حَتَّى يقولُ الناسُ لمَّا رأوا يا عَجَباً للميِّت الناشرِونَشَرتالأرضُ: أصابها الرَّبيعُ فأنبتت، وهي ناشرة، وذلك النَّباتُالنَّشْر، ويقال إنَّه للرَّاعيةِ رديّ ويقال: بلالنَّشْر: الكلأَ يَيْبَس ثم يصيبُه المطرُ فيخرجُ منه شيءٌ كهيئة الحَلَم، وهو داءٌ ....... " اهـ

وعلى الرغم من سهولة ووضوح المعنى اللغوي فإن الوصف قد ينطبق على أشياء كثيرة , فما هو المرجح لتحديد مدلول من بينها؟ ننظر في كتاب الله تعالى لنر فيه من الذي ينشر؟ فإذا نحن نظرنا في كتاب الله خرجنا باليقين التام أن المراد من الناشرات نشرا هي الملائكة , فنجد قوله تعالى:

" َوإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً [الكهف: 16] , وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28] , أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ [الأنبياء: 21] , وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الزخرف: 11] , ِإنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ [الدخان: 35] , َبلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً [المدّثر: 52] , ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ [عبس: 22] , وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ [التكوير: 10] "

فالنشر كله سواء كان بمعنى احياء الموتي أو نشر الأرض الميتة أو نشر الرحمة كله متعلق بالله عزوجل , والله يجري هذا في الدنيا بواسطة الملائكة. إذا فالناشرات نشرا هن الملائكة والمراد من النشر هنا بداهة هو نشر الأرض الموات ونشر رحمة الله ونشر السحب. وفي استعمال هذا القسم فائدة في الرد على منكري البعث , فكما ينشر الله في الدنيا فكذلك سينشر في الآخرة. وقيل أن المراد من ذلك هو أن الملائكة تنشر أجنحتها عند صعودها أو نزولها! ولم نجد لهذا أصلا في كتاب الله عزوجل وليس له علاقة بالسابق!

وهنا نتوقف لنسأل: أقسم الله بالرياح ثم عاد فأقسم بالملائكة كما تقول , فما العلاقة بينهما وما الغرض من ذلك؟ نقول: نلاحظ كما قلنا أن الله تعالى أقسم بالمرسلات وهي صيغة اسم مفعول تفيد البناء للمجهول , فهذا محفز للتفكر فيمن أرسلها؟ أن من أرسلها هو الله عزوجل بواسطة الملائكة فهي التي ترسل الريح سواء إرسالا لطيفا متتابعا أو سريعا عاصفا! والقاسم المشترك بين الإثنين أن كلاهما قوى خفية لا يراها الإنسان , فلا أحد يرى الريح ولكننا كلنا نشعر بها و بأثرها ونراه , فكذلك الملائكة قد لا نراها ولا نشعر بها ولكنا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير