نرى أثرها , فليس كل ما لا يراه الإنسان ليس موجودا! والناظر يجد أن الآيات الخمس ترسم صورة طبيعية متكاملة لدورة الحياة , فالرياح ترسل ثم تشتد فتعصف ثم تأتي الملائكة فتنشر الأرض التي عصفت بها الملائكة ثم تفرق بين ما أنشرته ثم تلقي ذكرا للناس! ومن الممكن القول أن هذه الآيات المتعلقات بالملائكة تكمل المشهد من خلال إشارات إلى الآخرة , فالريح العاصفة إشارة إلى الهلاك ثم يكون النشر بعد ذلك فيحي الناس ثم يفرقون " َويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14] " ثم تلقي الملائكة ذكرا لكل فريق منهم فتعرفهم مصيرهم وإلى أين منطلقهم فتعذر هذا وتنذر هذا , فهؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار!
فالفارقات فرقا: إذا أقررنا أن الناشرات هي الملائكة فحتما الفارقات هي كذلك ويؤيد هذا أيضا النظر في كتاب الله تعالى , فنجده يقول:
" ِفيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: 4] , وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة: 50] , َتبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1] , وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء: 106] , َويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14] " فالملائكة هي حتما ولزاما التي تقوم بعملية الفرق هذه , ولقد قال السادة المفسرون أن المراد من الفرق أنها تفرق بين الحق والباطل , ولقد اقتربوا في قولهم هذا من المعنى المراد , ونحن نرى والله أعلم أن المراد من ذلك هو ما جاء في سورة الدخان حيث أن الملائكة هي التي تقوم بتسيير الكون بأمر الله تعالى , فيأمرها بفعل كذا وتنظيم كذا وتسيير كذا إلى آخر الأوامر التي تتلقاها الملائكة من الرحمن , فيها تفرق كل شيء.
يتبع ..............
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[13 Jun 2008, 09:03 ص]ـ
ويواصل الله وصف الملائكة فيقول " فالملقيات ذكرا " وبداهة أن الملائكة هي التي تلقي الذكر بدليل قوله تعالى " كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً [طه: 99] , وكذلك قوله تعالى " َفالتَّالِيَاتِ ذِكْراً [الصافات: 3] " فتكرار هذا المعنى في سورة الصافات يؤكد ويحتم أن المراد منها هنا هو الملائكة , كما أشرنا إلى آن الآية الخمسين من السورة تحتم أن يكون المراد من الذكر هنا هو القرآن والذكر وإن كان عاما يصدق على كل ما أوحاه الله ولكن هنا يرجح حصره في القرآن. " عذرا أو نذرا " الناظر في أقوال المفسرين في هذه الآية يجدهم قد حصروها في الاية السابقة لها وهي قوله تعالى " فالملقيات ذكرا " مع أنه من ألأولى أن تعمم فتجعل في الخمس آيات الماضيات , فيكون المعنى أن الله يرسل المرسلات عرفا والعاصفات عصفا والناشرات نشرا والفارقات فرقا والتاليات ذكرا كلها عذرا أو نذرا فكل أفعال الله في الكون إما هي عذر للناس (للمؤمنين منهم , لأن عقابه سبحانه لا يكون إلا على وجه الحكمة , فإذا نزل ببعض المؤمنين في الدنيا كان من الإعذار) وكذلك هوعذر لوقوع العذاب في الآخرة فلقد قدمنا لكم من الدلائل والآيات ولكنكم لم تؤمنوا فتستحقون العذاب: " وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164] , فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الروم: 57] "
فهي عذرا أو نذرا لهم , فالمؤمن والكافر ينبغي عليهم أن ينذروا بما يحدث للآخرين ويتذكروا ويتفكروا ويعلموا أن الله هو المسيطر على الكون كله.
¥