تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" ألم نهلك الأولين " يبدأ الله تعالى هنا في التدليل على وقوع البعث والفصل بين المبعوثين إلى جنة ونار فيذكر تصديقا لقوله السابق " إنما توعدون لواقع " ثلاثة استدلالات يرد بها على المكذبين لهذا , ويبدأ هذه الاستدلالات بوقوع هذا الأمر فعليا وجزئيا في الدنيا , فليس الأمر من الغيبيات التي تشككون فيها , فيقول لهم " ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين " فعملية الإهلاك والاتباع مما يراها الإنسان في حياته , فلقد رأينا نحن بأعيننا مثلا عملية إهلاك أمم ثم اتباعها بآخرين وإحيائها (ألمانيا على سبيل المثال) , وبداهة ستأتي الإجابة ببلى , فلقد أهلك الله الأولين لما كذبوا وعاندوا الرسل فاستحقوا الهلاك , - ومن يشكك في هذا يأمره الله تعالى بالسير في الأرض في آيات كثيرات نذكر منها: " قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [آل عمران: 137] " -, ثم إن عملية الإهلاك ذاتها مستمرة حتى قيام الساعة , لذلك قال الله تعالى " ثم نتبعهم " فاستعمل صيغة المضارعة ليدل على استمرارها وهذه لا يشكك فيها إلا الملاحدة الذين ينسبون الفعل إلى الطبيعة أو إلى العبثية أو إلى الصدفة! إذا فكما أهلكنا الأولين والآخرين " كذلك نفعل بالمجرمين " فليس الأمر عسير أو جديد بل هو فعل مكرور وفي هذا اليوم , يوم الإهلاك " ويل يومئذ للمكذبين ". إذا الاستدلال الأول هو وقوع الأمر جزئيا في الدنيا , ثم يأتي الاستدلال الثاني وهو قوله تعالى " ألم نخلقكم من ماء مهين؟ فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم " السادة المفسرون على أن المراد من الآية هنا هو خلق الإنسان في بطن أمه ويرون أن المراد من القرار المكين هو رحم الأم , حيث يتمكن الحيوان المنوي منه ويصبح مستقرا له , أما القدر المعلوم فهو ساعة الولادة , وهذا القول محتمل وإن كنا نرى أن المراد من ذلك هو خلق الإنسان الأول حيث خلق كذلك من ماء مهين وضع في أرحام أرضية ومنها خرج الإنسان كاملا أما القدر فهو إما تحويله من ماء مهين إلى حالة أخرى أو خروجه من الأرض [1]. " فقدرنا فنعم القادرون " أي فقدرنا على خلقه وتكوينه وإنشاءه وقيل أنه من التقدير أي تقدير الأجل أو الموت وهو بعيد , فالآية تمدح القادر فكيف يكون ذلك فيمن يميت أو يحدد , أما في القدرة فمقبول. " ويل يومئذ للمكذبين " ما هو عود "يومئذ " هنا؟ نقول هي والله أعلم عائدة إلى يوم البعث وهو ليس يوم الفصل , ففي يوم الفص يفصل بين الناس , أما في يوم البعث فيبعث الناس , أما الدليل على ترجيح كونها راجعة إلى البعث فهو أن الآيات السابقات تتكلم على قدرة الله تعالى على الخلق في المرة الأولى فمن قدر عليه مرة يقدر عليه أبدا! إذا فالاستدلال الثاني هو أن من يقدر على الشيء مرة يقدر عليه دوما , أما الاستدلال الثالث فهو قوله تعالى " أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) "

وقبل أن نبدأ في التعرض لاستدلال الله عزوجل بهذه الآيات لا بد من التوقف مع قوله تعالى " كفاتا " فما المراد من الكفت؟ إذا نحن نظرنا في المقاييس وجدناه يقول: " الكاف والفاء والتاء أصلٌ صحيح، يدلُّ على جَمْعٍ وضمّ. من ذلك قولهم: كفَتُّ الشَّيءَ، إذا ضممتَه إليك. ..... وأمَّا قولهم إنّ الكَفْتَ: صرفُكَ الشّيءَ عن وجهه فيَكْفِتُ أي يرجع، فهذا صحيح، "اهـ

وهي كما جاء في اللسان: " الكَفْتُ: صَرْفُكَ الشيءَ عن وَجْهه. كَفَته يَكْفِتُه كَفْتاً فانْكَفَتَ أَي رَجَعَ راجعاً. وكَفَتَه عن وَجْهه أَي صَرَفه. "

والعجيب أن الناظر في أقوال المفسرين يجدهم أنهم قد أضاعوا الاستدلال العظيم الذي ذكره الله عزوجل , فأتوا بقول آخر ماسخ المعنى والدلالة مخالف للفظ الآية التالية لها فجعلوا أنه كان من الأولى أن تكون بشكل آخر! , فنجدهم يقولون في تفسيرهم! لهذه الآية كما جاء عند الفخر الرازي في تفسيره – وهم كلهم تقريبا مجمعون على هذا الأمر -:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير