تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" ... ثم في المعنى وجوه أحدها: أنها تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها والمعنى أن الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يدفنون في قبورهم، ولهذا كانوا يسمون الأرض إما لأنها في ضمها للناس كالأم التي تضم ولدها وتكفله، ولما كانوا يضمون إليها جعلت كأنها تضمهم وثانيها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها تكفت ما ينفصل الأحياء من الأمور المستقذرة، فأما أنها تكفت (الأحياء) حال كونهم على ظهرها فلا وثالثها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها جامعة لما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب، لأن كل ذلك يخرج من الأرض والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضار مبنية منها ورابعها: أن قوله: {أَحْيَاء وأمواتا} معناه راجع إلى الأرض، والحي ما أنبت والميت مالم ينبت، بقي في الآية سؤالان:

الأول: لم قيل: {أَحْيَاء وأمواتا} على التنكير وهي كفات الأحياء والأموات جميعاً؟ الجواب: هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون، وأمواتاً لا يحصرون. " اهـ

وهنا لم يذكر لنا السادة المفسرون بعلاقة هذه الآية بالاستدلال على البعث , ولكن إذا نحن فهمنا الآية كما ينبغي , وكما ذكر الإمام الفخر احتمالا – ولم يأخذ به - في الوجه الرابع وهو أن المراد من أحياءا وأمواتا هو الأرض فنكون قد أخرجنا وجه الاستدلال بها , ونوضح للقارئ فنقول:

الكفت كما جاء في اللسان صرفك الشيء عن وجهه ورده , والكفات جمع كافتة , فالله تعالى يسأل الإنسان: ألم نجعل الأرض كفاتا؟ قطعا متقلبات نغيرها من حال إلى حال , أحياءا وأمواتا؟ فمنها ما هو حي (ولكونها كفاتا فسيموت هو الآخر ثم يحي وهكذا) ومنها ما هو ميت وسنحييه هو الآخر لأنه كفات! والحي من الأرض هو الذي ينبت والميت ما لا ينبت وليس ما قالوه ومن أجله أرادوا أن يجعلوا الآية هكذا: "كفات الأحياء والأموات! "

فالله تعالى يذكر الإنسان بما تراه عيناه من تقلب الأرض بين الإماتة والإحياء ويذكره كذلك بأنه جعل فيها رواسي شامخات أي جبال مرتفعات عاليات وأسقيناكم ماءا فراتا. ولكن ما العلاقة بين الجبال الشامخات والأرض الكفات؟ الناظر يجد أن ما يصدق على الأرض يصدق على الجبال بشكل أو بآخر , ويذكره الله عزوجل أن هذه الجبال الشامخات المتكبرات التي يحسبها الإنسان باقية لا تفنى أو لا تتغير سيكون لها موقفا آخر " وإذا الجبال نسفت " فهي أرضا خاضعة لمسألة الهلاك! وأسقيناكم ماءا فراتا والماء الفرات هو أشد الماء عذوبة فالله تعالى يذكرنا بأنه أسقانا ماءا فراتا , والحق يقال أني كنت قد توقفت في هذه الآية فما علاقتها بسابقتها أو بالسورة عامة؟ ثم فتح الله علي فيها , فأولا يمكننا القول كما يقول أنصار التفسير العلمي أن للجبال دور في سقوط الأمطار , فعندما ترتطم الرياح المرسلات بالجبال الشامخات تسقط الأمطار فيشرب ماءا فراتا , لذلك حسن مجيء السقيا بعد الجبال , ولكن الناظر يجد أن النسق العام للسورة هو ذكر التقليبات والتغيرات في الأحوال , فالجبال الشامخات هذه لم تكن في مبتدأ الأمر هكذا ولكنها ظهرت وخرجت عندما أرساها الله عزوجل وكذلك هذا الماء الفرات كان ماءا ثم تحول إلى بخار ثم عاد مرة أخرى ماءا , فمن يرى مثلا بحيرة قد جف ماءها ييأس أن تمتلئ مرة أخرى ولكن دورة الطبيعة التي أوجدها الله دائرة فتسير الرياح المرسلات بالسحاب المنشورات بيد الملائكة الفارقات فينزل الماء فيشرب الإنسان وتتكون البحيرة مرة أخرى , وهكذا الإنسان فهو كذلك خاضع لدورة الكفت , فهو سيموت ثم يحي كما أحييت الأرض بعد موتها " يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم: 19] " وله في الجبال الشامخات وفي دورة الماء في الطبيعة خير عبرة وعظة لعوده مرة أخرى يوم البعث , فكما عاد هؤلاء وتقلبوا سيعود ويقف بين يدي الله عزوجل. " ويل يومئذ للمكذبين " ففي هذا اليوم الذي سيدخل فيه المؤمنون الجنة , حيث نجد الإشارة في قوله تعالى " وأسقيناكم ماءا فراتا " فهذا من نعيم الله على خلقه!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير