ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[13 Jun 2008, 09:07 ص]ـ
ولقد رد عليهم الإمام الفخر الرازي فقال:
" أما قوله: صفر فالأكثرون على أن المراد منه سود تضرب إلى الصفرة، قال الفراء: لا ترى أسود من الإبل إلا وهو مشوب صفرة، والشرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار كان أشبه بالجمل الأسود الذي يشوبه شيء من الصفرة. وزعم بعض العلماء أن المراد هو الصفرة لا السواد، لأن الشرر إنما يسمى شرراً ما دام يكون ناراً، ومتى كان ناراً كان أصفر، وإنما يصير أسود إذا انطفأ، وهناك لا يسمى شرراً، وهذا القول عندي هو الصواب." اهـ
إذا فالله تعالى يوضح للمكذبين عظم مقدار النار وكيف أن شررها كالقصر وكيف أنه متتابع ذو لون أصفر مثل الجمال وفي هذا اليوم الذي يذهبون فيه إلى النار " ويل يومئذ للمكذبين ".
ثم يعود الله تعالى إلى تحديد يوم الفصل للرسول , فبعد أن قال له: " وما أدراك ما يوم الفصل " يقول له هنا " هذا يوم لا ينطقون " ففي هذا اليوم لا ينطق المكذبين , ونذكر بأن اليوم الذي لا ينطق فيه المكذبين ليس طيلة اليوم الآخر ولكنه يوم الفصل , والمشكلة أن السادة المفسرين لما جعلوا يوم الحساب ويوم الفصل ويوم القيامة ويوم البعث ويوم الحشر أسماءا مترادفات لليوم الآخر تخبطوا وأوجدوا تعارضات في النص القرآني حاولوا هم أن يردوها , فقالوا أن المراد مثلا هنا أنهم لا ينطقون بحجة أو بشيء نافع ليوفقوا بين قوله تعالى " ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] " وقوله " يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً [النساء: 42] " ولكن الآية واضحة فهي تقول: " هذا يوم لا ينطقون " والمعروف أن النطق أقل في الكم والكيف من الكلام والقول , فالآية نفت أن يخرج منهم أي صوت , فكيف نجعل مراد الآية أنهم لم يقولوا قولا نافعا؟!
أما على فهمنا نحن فلا تعارض, فيوم الفصل يكون بعد يوم البعث والذي يكون بعده يوم الحشر ثم يكون يوم الحساب ثم يكون يوم الفصل , وفي يوم الفصل حيث يقاد المكذبين إلى النار ويكون المؤمنون في الجنة!
إذا فيوم الفصل يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فلا محاجة ولا جدال ولا إذن أساسا حتى بالإقرار من أجل الاعتذار , لأن الله تعالى قد ألغى حجة الإنسان بما أرسل إليه من النذر والرسل البشرية والطبيعية , وتذكر أول السورة إلى الآية السادسة , ففي هذا اليوم " ويل يومئذ للمكذبين " , " هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين " أي أنكم مجمعون أيها المكذبون أنتم والأولين , فكما أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين فكذلك نجمعهم كلهم يوم القيامة فلا يغيب عنا أحد. " فإن كان لكم كيد فكيدون " فالله تعالى يقول للمكذبين: ها أنتم مجمعون مع أقرانكم منذ قيام الساعة , فماذا أنتم فاعلون بتجمعكم هذا وهل هو مفيدكم في شيء؟ هل لا يزال لديكم نفس التفكير الأحمف " أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ [القمر: 44] "؟ فكلكم موجودون مجموعون ولكن لا ينفعكم ذلك في شيء , ففي هذا اليوم يوم لا ينفعكم مكركم ولا كيدكم ولا جمعكم " ويل يومئذ للمكذبين "
وكعادة القرآن دوما في استكمال الصورة , فإذا ذكر أهل النار يذكر أهل الجنة فيقول: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) " فهناء الجنة هناء أبدي غير منقطع , ونلاحظ المقابلة البديعة التي أجراها القرآن بين أهل النار وأهل الجنة , فعندما قال لهم " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب " قال هنا في حق المؤمنين " إن المتقين في ظلال وعيون " فهم في ظلال وليس ظل كما أنهم في عيون حيث يتوفر الشراب والرخاء بخلاف من في النار , فكل أيها المؤمن واشرب كما يحلو لك بما كنت تعمل , فهكذا نجزي المحسنين! فبسبب إحسناك كان الجزاء وبسبب تكذيب الآخر كان العقاب. وفي هذا اليوم أي يوم أن يكون المؤمنون في الجنة " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) " فهم في النار يصلون سعيرها!
¥