تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن صرف صيغ الماضي عن ظاهره إلى إرادة المستقبل ليحتاج إلى قرينة من السياق وما أكثرها في سياق الموعود في اليوم الآخر وسياق نهاية الحياة الدنيا كقوله تعالى "إذا الشمس كورت" وكقوله تعالي " ووضع الكتاب" في سورة الكهف وجميعه من الماضي الذي يراد به المستقبل لأن الشمس لم تكور بعد لأن السياق سياق الموعود في نهاية الحياة الدنيا ولأن الكتاب للحساب لم يوضع بعد إذ لا تزال الحياة الدنيا مستمرة لم تنته بعد، وهكذا لا يلتبس الأمر وجاءت صيغة الماضي لتأكيد نفاذ الموعود.

وهكذا صيغة المستقبل لن يسلم صرفها بتأويلها بإرادة الماضي موافقة للمألوف والتراث إلا بقرينة قاطعة ولم توجد ـ والله أعلم ـ فيما استشهدت به من تأخير كتابة أعمال المكلف إلى يوم يقوم الحساب حين لا يغفرها الله بل تعرض عليه ويشهد عليها الملائكة الذين كانوا يحفظونه في الدنيا وهم الكرام الكاتبون الذين سيكتبونها في يوم الحساب حين لا يغفرها الله بل تعرض على صاحبها، وكل واحد من الملائكة الحفظة كريم كاتب ورقيب عتيد وليس في هذه الأوصاف ما يدل على كتابة الأعمال في الدنيا.

نعم كتبت في الدنيا أعمال الذين عذبوا في الدنيا كالمكذبين من قوم نوح ومن بعدهم من الأحزاب وكذلك كتب الله أعمال المجرمين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم أي لن يغفرها الله يوم يقوم الحساب وسيعذبهم بها كما هي دلالة قوله تعالى " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون " النساء 81 أي هو وعد من الله أن لا يغفر لهم سيء أعمالهم وأن يعذبهم بها ولا يلتبس هذا الحرف بغيره لإسناد كتابة تلك الأعمال إلى الله.

إن العدالة يوم يقوم الحساب لحقيقة لا مجاز إذ لن يظلم الله نفسا شيئا وهكذا خاف الرسل الكرام كموسى وإبراهيم أن لا يغفر الله لهم فطلب موسى أن لا تعرض عليه عملية قتله القبطي كما هي دلالة طلبه من ربه المغفرة أي في الآخرة ولقد غفر الله له ولكن انتشر الخبر في الدنيا وخرج هربا من بطش فرعون، وكما هي دلالة طلب إبراهيم في قوله تعالى " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " الشعراء 82 وقوله " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" إبراهيم 41 أي لا تعرض علينا أعمالنا السيئة بل استرها ولا تعذبنا بها.

إن قوله تعالى:

• ? إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {يس 12

• ? أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا {مريم 77 ـ 79

• ? لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق {عمران 181

• ? وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون {الزخرف 19

• ? ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون {الأنبياء 94

لظاهر الدلالة على أن أعمال المكلفين الذين لن يعذبوا بها في الدنيا لن تكتب إلا في يوم الحساب ولن يكتب منها إلا ما لم يغفره الله تلك عدالة الرحمان يقرر العبد المذنب فيما بينه وبين نفسه فإن أقر ستره الرحمان وإن أنكر عرضت الأعمال السيئة وشهد الملائكة الكرام الكاتبون وشهدت الجوارح وأوبق بها العبد.

والموتى بعد أن يبعثهم الله ستكتب الملائكة ما قدموا وآثارهم يوم يقوم الحساب وهو أمر مختلف مغاير لما في الإمام المبين الذي تضمن إحصاء كل شيء من قبل.

وأين القرينة من الكتاب المنزل على أن قول الذن قالوا إن الله فقير ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء وقتلوا النبيين قد كتب من قبل أي قبل نزول القرآن الذي تضمن الوعد بكتابتها في الصحف التي سيؤتونها وراء ظهورهم يوم يقوم الحساب قبيل أن يقال لهم ذوقوا عذاب الحريق.

وهكذا نفس التساؤل في شأن الذي كفر بآيات ربه وزعم أن سيؤتى ملا وولدا فأين القرينة من الكتاب المنزل أن قد كتب ذلك من قبل في صحفه التي سيؤتاها من وراء ظهره يوم يقوم الحساب

أما قوله تعالى " وكل شيء أحصيناه كتابا " النبأ 29 فهو في وصف القدر وكل شيء بقدر ومسطور من قبل ولا علاقة له بكتابة أعمال المكلفين التي يحاسبون عليها وإنما في سياق بيان علم الله ما كان وما سيكون، وأما قوله " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" وشبهه فهي في سياق الأعمال الجماعية التي لا تغفر أبدا بل تكتب في الدنيا ويحاسبون عليها وهكذا نتبين خطورة المجاهرة بالمعصية ونتبين خطورة المشاركة في الإثم والعدوان.

إن من إكرام الله أهل الجنة امتنانه عليهم بقوله "ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم "القتال 15 أي أن الله لا ينغص عليهم نعيمهم بعرض أعمالهم السيئة من قبل بل يغفرها ويسترها أما أهل النار فتعرض عليهم وهم في النار ليزدادوا قنوطا من الفرج والمغفرة كما هي دلالة قوله " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما بخارجين من النار" البقرة 167

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير