ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[16 Jul 2008, 03:02 م]ـ
نعم، هكذا يكون النقاش في جزئيات المسائل العلمية بعيدا عن تصوير وتصور النوايا والمقاصد وافتراض التزكية بأن لازم بحوثي أني اطلعت على ما غاب عن الأمة كلها، وهل يسلم من الحساب من كتم علما خشية أن يتهم بتلك التهم التي لا تعني في ميزاني شيئا.
أيها الأستاذ:
إنَّ تصوُّرَ النوايا وتصويرها وافتراضَ التَّزكية ليس بلازمٍ من لوازم بحوثك وجديدك ,بل هي أصرحُ في الدلالة على التزكية والاستئثار بفتوحات العارفين الخارقة من ذلك بكثير إذ هي المنطوقُ المتكررُ في كل جزئيةٍ منها , فها أنت تكررها في هذه السطور مرتين مع أني لم آتِ على آخر ما كتبتَ, وأرجو أن يكون هذا الإحجامُ عن الإجابة مرتينِ تراجعاً منك عن الجزم بأنَّ الأمة لم تتدارسِ القرآنَ بعدُ وتسليماً بأن لا عجبَ من أنَّ البشريةَ لم تفهم القرآنَ بعدُ, وتحاكمنا جميعاً ليس إلى ميزانك بورك لك فيه , وبالتالي فوزنُه للأمور والنقد أو (التهمة) كما تسميها لا يعني لغيرك شيئاً أيَّ شيء.
أما ما اعترضت به من الأدلة فلا أسلم باحتجاجك به بل إن احتجاجك بصيغ الماضي الذي يراد به المستقبل أقوى وأفصح من احتجاج الزمخشري عندي.
إن صرف صيغ الماضي عن ظاهره إلى إرادة المستقبل ليحتاج إلى قرينة من السياق وما أكثرها في سياق الموعود في اليوم الآخر وسياق نهاية الحياة الدنيا كقوله تعالى "إذا الشمس كورت" وكقوله تعالي " ووضع الكتاب" في سورة الكهف وجميعه من الماضي الذي يراد به المستقبل لأن الشمس لم تكور بعد لأن السياق سياق الموعود في نهاية الحياة الدنيا ولأن الكتاب للحساب لم يوضع بعد إذ لا تزال الحياة الدنيا مستمرة لم تنته بعد، وهكذا لا يلتبس الأمر وجاءت صيغة الماضي لتأكيد نفاذ الموعود.
ولكنَّك لم تجبني - شيخنا الكريم -عن هذا النشر في قوله تعالى (وإذا الصُّحفُ نُشرت) أيكون مقترناً بالطيِّ في آنٍ واحدٍ بمعنى أن تكتب الأعمالُ ويثبتُ منها ما يثبتُ ثمَّ يمحى ما يمحى ثمَّ تُنشَرُ للقارئين من المكلفين.؟
وإثباتُك ذلك لا يُسلَّمُ لك به بلا دليلٍ فأنا لم أخالفكَ في أن النشر هنا من الماضي الذي يراد به المستقبلُ ولو فعلت ذلك لكنتُ مستدلاً لك , ولكنَّ استدلالي جاء بهذه الآية إثباتاً لأنَّ طيَّ الصُحف المستلزمَ لكتابة الأعمال كان سابقاً لساعة النشر هذه ولا يكون ذلك إلا في الدنيا التي تفسُد وتزول بتكوير الشمس وانكدار النجوم ونشر الصحف.
أمَّا قولُه تعالى (ووُضع الكتابُ فترى المجرمين .. ) فقد خرجت فيه كسابقه عن شاهدي إلى ما لا أريد الاستشهاد به من الآية , فالخلاف ليس في الكتابِ أوُضعَ أم لم يوضَع بعدُ , ولكنّ الإشكال في لفظ (إلا أحصاها) الدالِّ على سبق الإحصاء للوضع يوم القيامة.
وهكذا صيغة المستقبل لن يسلم صرفها بتأويلها بإرادة الماضي موافقة للمألوف والتراث إلا بقرينة قاطعة ولم توجد ـ والله أعلم ـ فيما استشهدت به من تأخير كتابة أعمال المكلف إلى يوم يقوم الحساب حين لا يغفرها الله بل تعرض عليه ويشهد عليها الملائكة الذين كانوا يحفظونه في الدنيا وهم الكرام الكاتبون الذين سيكتبونها في يوم الحساب حين لا يغفرها الله بل تعرض على صاحبها، وكل واحد من الملائكة الحفظة كريم كاتب ورقيب عتيد وليس في هذه الأوصاف ما يدل على كتابة الأعمال في الدنيا.
لماذا يا شيخنا الكريم لا يكون استدلالُ غيركَ منطلقاً إلا من موافقة المألوف والتراث , ولا يكون ما تظنه أنتَ - حفظك الله - دليلاً إلا كثيراً في سياق الموعود في اليوم الآخر, مع أنَّ الواقعَ فيما أعتقد ليس كذلك.؟
نعم كتبت في الدنيا أعمال الذين عذبوا في الدنيا كالمكذبين من قوم نوح ومن بعدهم من الأحزاب وكذلك كتب الله أعمال المجرمين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم أي لن يغفرها الله يوم يقوم الحساب وسيعذبهم بها كما هي دلالة قوله تعالى " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون " النساء 81 أي هو وعد من الله أن لا يغفر لهم سيء أعمالهم وأن يعذبهم بها ولا يلتبس هذا الحرف بغيره لإسناد كتابة تلك الأعمال إلى الله.
لستُ أدري يا شيخُ ما معنى هذه السطور التي تفرقونَ فيها بين ما أُسْندتْ كتابتُه إلى
¥