والحديث هنا عن كلمة " الغيض " المذكورة بصيغة فعلية في الآية " تغيض" , حيث ذكرت الآية أن الأرحام تغيض , والغيض عكس الفيض , وهي تدل على تناقص تدريجي وتستعمل مع السوائل , كما يقال: غيض من فيض. الشاهد أن الله عزوجل قال أن الأرحام تغيض , الأرحام نفسها هي التي تغيض , فتعجب المفسرون وقالوا أن المراد أن ما في الأرحام هو الذي يغيض أو يزداد من ولد أو ما شابه ولكن العلم يثبت أن بطانة الرحم نفسها تمتليء بالدم قبل عملية الحيض استعدادا لاستقبال الحيوان المنوي , فإذا لم يأت الحيوان المنوي " تتحطم " هذه البطانة وينزل الدم في ميعاد الدورة , فيغيض الرحم نفسه أي أنه تنزل سوائله فينقص, ثم تمر الأيام ويكون الرحم بطانة جديدة استعدادا لاستقبال الجنين وهلم جرا. فهذه زيادة الأرحام نفسها بالسوائل وغيضها وليس ما بداخلها.
قد يقول القائل: ليس الفارق كبيرا.
نقول: ولو , فلم نترك ما أخبر الله عزوجل به ونفهم ما نضيفه نحن من عند أنفسنا , فنضيع فوائدا عظيمة على أمة المسلمين وعلى البشرية أجمعين؟!!
وفي نهاية المطاف نقول: كتاب الله واضح صريح وهذا يعني أن العرب و الصحابة كانت تقريبا تفهمه كله , ولكنها لم تعرف مدلولات الجزء العلمي الطبيعي منه , كما أنهم لم يحيطوا بالإشارات والدلالات الاجتماعية المناسبة لمجتمعات لم تنشأ بعد , لذا لم يشيروا إليها ولم يتحدثوا عنها , أي أنهم كانوا يقرأون القرآن فيأخذون ما يعرفون مدلولاته من آيات الأحكام والعقائد والتاريخ, ويسلّمون بما فهموه من القرآن ولكنهم في نفس الوقت لم يعرفوا مدلولاته في الواقع لمعرفتهم أن الزمان كاف لمعرفة مدلولاتها لا لفهم معنى ألفاظها , فالمعنى الللفظي مفهوم ولكن المدلول – المقابل في الواقع – لمّا يأتي بعد فكيف يأولون؟! ثم انقضى عصر الصحابة والتابعين الذين كانوا يتحرجون من القول في كتاب الله عزوجل لمعرفتهم أن علمهم غير كاف للقول فيه فتوقفوا , ثم جاءت أجيال لم تفهم ما هو وجه الإعجاز القرآني , صاحبها وجود عجمة في اللسان وعجمة فيمن دخلوا الإسلام فقالوا بإن القرآن يحتاج إلى تفسير وليتهم قالوا "تأويل " حتى لا يضلوا في المنهج والاسم!
نخرج من هذا كله أنه يجب علينا الالتزام بنص كتاب الله عزوجل كما هو فلا نقول بمحذوف أو زائد – حشو كما قال بعض المفسرين – ولا نجعل الفعل اسما أو الاسم فعلا ولا نغير أي شيء في كتاب الله وإلا سنقع فيما وقع فيه الأقدمون ثم نأتي يوم القيامة فيقول لنا الله العزيز: " قل أأنتم أعلم أم الله " , فإذا قال الله قولا أخذناه واتبعناه من خلال إعمال العقل في فهم وتدبر القول لا أن نجتهد في صرفه عن مدلوله المباشر لقصر عقل أو لقلة علم.
وفي نهاية المطاف نذكر بأنه يجب علينا أن لا نقيس البشر على الوحي أو النبي , فنظرا لأن النبي من خلال الوحي أوّل بعض الآيات بشكل لم يذكر في القرآن كما أول آيات الصلاة والحج والزكاة وطبقها على أرض الواقع وجدنا كثيرا من المفسرين يخوضون فيما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله حاسبين أنهم بذلك من المفسرين لكتاب الله الكاشفين لغموضه وإبهامه , -وغفر الله لنا ولهم- زاعمين أن النبي المصطفى فسر القرآن , ونحن نسألهم: هل ما أتى به النبي المعصوم هو من عند نفسه أم من عند الله عزوجل؟ فإذا كان من عند نفسه سلّمنا لهم , وإذا كان من عند الله – وهو كذلك – فعليهم أن يسلموا لنا!
نخرج من هذا كله أنه لا يصح أن نصف كتاب الله بالتفسير لأنه مرادف الإبهام وأنه علينا أن نلتزم بما وصف الله عزوجل كتابه وهو " التأويل " لأن كتاب الله واضح جلي بيّن ولكن لقصور العقل والعلم لا تدركه الأفهام في مرحلة ويّدرَك في أخرى , ونخرج بأن التأويل ليس بالمعنى المألوف ولكنه بمعنى مخالف تماما لما ألفه الناس , وأن هذا المنهج هو المناسب لكتاب أنزله الله لكافة الأقطار والعصور , فهو كتاب يأتي تأويله على مر العصور فيزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم أن ما عندهم هو من عند الله العلي الحكيم الذي أنزل الكتاب المبين.
غفر الله لنا الزلل وتقبل منا صالح العمل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[07 Dec 2008, 05:32 م]ـ
مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر ( http://tafsir.org/tafsir/index.php?a=books&action=view&id=79) - د. مساعد بن سليمان الطيار
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[10 Dec 2008, 01:19 م]ـ
الأخ الكريم عمرو
بعد التأمل في كلامك وجدت في نفسي الآتي:
طالما أن التفسير فيه معنى التوضيح والبيان فهذا ما نجده في كتب التفسير، وهو ما نحتاجه قبل أن نخوض في التأويل. فواقع كتب التفسير أنها جاءت للتفسير وفيها شيء من التأويل.
هناك أكثر من سبب جعل الناس عبر العصور يحتاجون التفسير أولاً ومهما حاولنا أن نقول إن النص الكريم واضح وبيّن فإن واقع الناس يفرض علينا أن نفسر ونوضح قبل أن نؤوّل.
كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب - مثلاً - أقرب إلى التأويل منه إلى التفسير، على خلاف معظم كتب التفسير. ومن هنا تلاحظ أنه يفسر بعض الألفاظ قبل أن يؤوّل.
لم يتفق العلماء على معنى التأويل بل اختلفوا. وكلهم يصدر عن المعنى اللغوي واحتمالاته.
التفريق بين المحكم والمتشابه غير مقنع ولا يقوم على دليل، بل يناقض ظاهر النص الكريم، فأنصح بإعادة النظر فيه.
التأويل في اصطلاح البعض- والذي اعترضتَ عليه واستنكَرته - هو في الحقيقة مقبول وغير مستنكر؛ لأن صرف المعنى عن الظاهر لقرينه هو صورةمن صور التأويل، لأن مآل المعنى على خلاف ما يوهم به الظاهر. فعملية الصرف من الظاهر إلى غيره بدليل هو على الحقيقة تأويل، أي تبيان مآل المعنى.
التأويل الحقيقي للرؤيا المنامية هو وقوعها، وتأويل أنباء الغيب أيضاً يكون بالوقوع، وتأويل الآيات المتعلقة بواقع كوني هو المعرفة الحقيقية لهذا الواقع. والتأويل في عالم المعاني يكون بحضور المعنى الحقيقي في الذهن ....
¥