[تأملات في سورة " البروج "]
ـ[إمداد]ــــــــ[09 Dec 2008, 12:13 م]ـ
[تأملات في سورة " البروج "]
د. رياض بن محمد المسيميري
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ {10} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ {11} إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ {13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ {14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ {15} فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {16} هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ {17} فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ {18} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ {20} بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}
شرح الغريب:
الْبُرُوجِ: هي منازل الشمس والقمر والكواكب التي وضعها الله في السماء.
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ: هو يوم القيامة؛ لأنه محدد بموعد لا يتخلف عنه.
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ: أكثر المفسرين على أنّ الشاهد هو يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة.
والأولى القول بظاهر اللفظ بأنّ الشاهد: عام في كل من يشهد. والمشهود: عام في كل ما يشهد عليه.
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ: دعاء عليهم بالهلاك، والأخدود هو: الحفرة التي حفرت وأضرمت ناراً لتعذيب المؤمنين وفتنهم عن دينهم.
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ: النار: بدل من الأخدود والمعنى: أنّ الأخدود المشار إليه عبارة عن حفرة مضرمة بنار توقَّد!
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ: وصف لأصحاب الأخدود الكفرة بأنهم كانوا على شفير الأخدود يفتنون الناس عن دينهم, ويستمتعون بتعذيبهم!.
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ: أي أنَّ هؤلاء الكفار الظلمة كانوا شهوداً على ما يفعلون بالمؤمنين راضين به.
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ: أي ما أنكروا منهم من ذنب إلا إيمانهم بالله.
فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ: امتحنوهم وآذوهم في دينهم. وقيل: أحرقوهم كقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} الذاريات (13). أي: يحرقون.
هداية الآيات:
في هذه الآيات العظيمات المخيفات، يقسم الجبار جلّ جلاله بالسماء الشاهقة ذات البروج العالية الدالة على عظمته وقدرته، وبيوم القيامة الدال على حكمته وعدالته، وبالشاهد والمشهود بأنّ الهلكة والنقمة واقعة على أصحاب الأخدود الذين أضرموا النيران وامتحنوا العباد رغبة في صرفهم عن التوحيد إلى الإلحاد، ومن العبودية إلى الكفر والشرك.
وقد اختلف العلماء في أصحاب هذه القصة ومن يكونون على أقوال لعلّ من أظهرها ما رواه مسلم عن طريق صهيب الرومي – رضي الله عنه - في قصة الغلام والساحر والملك والشهيدة، وأيا كان الأمر فالعبرة بمضمون القصة لا في تحديد أشخاصها ولذا أبهم القرآن الأسماء والأشخاص والزمان والمكان في هذه الحادثة المأساة!
قوله: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ) قسم بالسماء العظيمة الشاهقة الطول والارتفاع ذات البروج المتعددة والمنازل المتنوعة.
والقسم بالسماء له مذاق خاص ذو أثر في النفس عجيب لمن تأمل فليس في الكون المشاهد المحسوس آية أكبر منها, ووالله لو تأمل الناس في هذه الآية حقّ التأمل لآمنوا وأذعنوا للواحد القهار، وحسبك منها هذه الحقائق:
¥