[في المنهاج الوسطي للتفسير القرآني (عبد الرحمن حللي)]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[09 Feb 2009, 08:33 م]ـ
القرآن والمعرفة: نحو ضبط منهجي للتفسير والدراسات القرآنية
في المنهاج الوسطي للتفسير القرآني
عبد الرحمن حللي
المصدر: إسلام أونلاين ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1230650193721&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout)
الباحث العلمي المعاصر –لاسيما في العلوم الإنسانية– مضطر أن يمر بشكل أو بآخر على النص القرآني كمحطة علمية يفرضها الاختصاص الدقيق، فلم تعد دراسة القرآن وتفسيره مجرد اختصاص ضيق يسلكه الدارسون للشريعة فقط ومن خلال تخصصات أدق، إنما فرضت المعرفة الحديثة فضاء مفتوحًا بين جميع أشكال المعرفة وبين القرآن.
سؤال المنهج
وقد تنازعت هذا الفضاء تيارات تراوحت بين الا رتجال والسطحية في التعامل مع النص القرآني وبين الإيغال في التدقيق التخصصي، وبين هذين البعدين تفاوتت مقاربات النص في العمق؛ ما جعل سؤال المنهج في التعامل مع القرآن سؤالا مركزيا، في سياق أسئلة أعم تتعلق بالتعامل مع الدين والتراث، والبحث عن وسطية أصبحت هي الأخرى موضع تجاذبات جديدة.
فهل يمكننا الحديث عن وسطية في التفسير، أو التأطير لمنهج للدرس القرآني؟ إن الإجابة عن هذه الخيارات تتطلب وضع محددات ترسم طبيعة العلاقة مع النص القرآن ودوره الحضاري في التاريخ والحاضر والمستقبل.
فليس موضع جدل القول بأن النص القرآني هو النص المؤسس للحضارة الإسلامية، وهو الحامل للقيم التي غيرت التاريخ، وجعلت من الإسلام عنوانا للعهد الحضاري الجديد، وإن المتأمل ليلمس هذه الخاصية في القرآن من أهم أسمائه، وهو تسميته "كتابا"، فقد وردت نيف وأربعون آية لفظ الكتاب فيها تدل القرائن الحافة به على أنه هو القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
ويشير اللفظ فيها إلى الكتاب باعتباره منظورا ومعلوما من المخاطب وواعيا به، ويدل السياق على أنه القرآن المنزل على الرسول، فقد جاء تعريف القرآن بأنه الكتاب، وأشير إليه بأسماء الإشارة وأل العهد، وكانت بعض الآيات صريحة في تعريف القرآن بأنه الكتاب] كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [[فصلت:3]، فالكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق [1]، ويرى ابن عاشور في تسمية القرآن كتابا إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه [2]، وبهذا المعنى فالقرآن بوصفه كتابا يمثل فاتحة عهد حضاري جديد لم يكن للعرب عهد به، ولن يكون غريبا أن يتحول المجتمع العربي في ذلك العصر الوجيز إلى مجتمع يعتمد القراءة والكتابة كوسيلة في البناء الحضاري والتواصل والتأصيل العلمي.
القرآن والتأصيل العلمي
وإذا ما عمقنا النظر في الخطاب القرآني المتعلق بالنظر والمعرفة كموجه ومرشد فسنلحظ فيه الآفاق الرحبة التي لا حدود لها في الحث على المعرفة والتأمل في الآفاق والأنفس، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت:20]، بل والأهم من ذلك التأمل في النص نفسه وتدبر كلماته وآياته، {قلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا} [الكهف:109].
وفي ذلك إشارة صريحة إلى وجوب البحث، مع الإقرار باستحالة انسداد آفاقه سواء في النص أو الكون [3]، ففيهما أسرار إلهية ومعان وسنن جعلها الله منارات يصل من خلالها الإنسان إلى المعرفة والقوانين التي أقام الله الحياة على أساسها، من هذا المنطلق القرآني تحركت المعرفة في سياقها الحضاري الإسلامي، منضبطة بالقيم والمحفزات القرآنية دون أن تكون أسيرة لنصه أو متعسفة في البحث فيه عما أرشد إلى وجوده في غيره.
¥