[نقد محاضرة الشيخ الدكتور عبد المحسن العسكر حول المجاز ...]
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[15 Dec 2008, 11:49 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ الدكتور عبد المحسن العسكر رجل فاضل من أهل العلم، ولا تزال أخباره العلمية تبلغني من بعض وثيقي الصلة به، وقد فرحتُ لما علمتُ بمحاضرته تلك؛ إذ فضل مخالفك لا يقل أبداً عن فضل موافقك؛فالمخالف يهديك بخطأه قبل صوابه إلى جوانب من الحق لربما ما كنت تهتدي إليها لولا منازعته إياك الرأي، ومماراته لك في المذهب، وإني إذ أرجو نقل نقدي له= أرجو أن يتقبله بقبول حسن،وأنه نقد محب يحب لأخيه من موافقة الحق ما يُحب لنفسه، وأنه نقد عارفٍ بفضل وعلم من يردُ عليه ..
1 - قال الدكتور: ((أيها الأخوة، لم أجد بابا من أبواب العلم كثر الخوض فيه ممن يحسنون العلم وممن لا يحسنونه - كما وقع في المجاز)).
قلت: هذه مبالغة من الدكتور فما كان هكذا في أبواب العلم كثير،والمجاز في هذا دون غيره.
2 - قال الدكتور: ((فبينما ترى في علماء الإسلام من يعُد المجاز شطر الحسن في القرءان، ويعده أحدَ مفاخر العربية ودليل الفصاحة فيها ورأس البلاغة، ومن أكبر الوسائل إلى الافتنان في التعبير وإيراد المعنى الواحد بالصور المختلفة، وأنه يُكسب اللغة مرونة وتجددا واتساعا يؤدي إلى استيعاب المكتشفات الحديثة وافتراع المصطلحات التي تناسبها)).
قلت: الحمد لله فقد جمع نفاة هذه القسمة الباطلة بين نفي الباطل= والتمتع بهذا الحسن الذي أشار إليه الدكتور على وجه هو أتم وأحسن، وهذا الكلام من الدكتور هو أول مثال على المغالطات التي تكثر في كلام مثبتة هذه القسمة؛ فثبوت ظاهرة الاتساع في الكلام واستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى ليس محلاً للنزاع، وبالتالي فنفاة المجاز يثبتونه ويتمتعون بما فيه من مواطن الجمال = لكنهم يرفضون تأطير هذا الاتساع وتلك الظاهرة =تحت هذه القسمة بما تحمله من قوانين = ثم هم أسعد بمواطن الجمال في الاتساع من مثبتة القسمة من وجوه أهمها: أنهم يطلبون القرينة الدالة على مراد المتكلم في كل كلام فلا يتوقفون عن تدبر الكلام لمعرفة مراد المتكلم تحت دعوى أن المعنى الأصلي هو الذي يتوقف عنده أو المعنى المتبادر، وأنه لا حاجة للبحث عن مراد المتكلم إلا إذا ظهرت قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي.
فالذي يتدبر ويتأمل ويبحث في كل لفظ عن المعنى المراد =ولا يركن إلى السهولة والتيسير الكامنين في القسمة =هو أسعد وأمتع بوجوه الجمال ومواطنه في ظاهرة الاتساع تلك،وذلك كله من جنس قول الشافعي عن سنن العرب: ((وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرِّف الإشارةُ ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جَهَالتها)).
الخلاصة: أن ظاهرة الاتساع باستعمال اللفظ الواحد في عدة معاني = ثابتة، والتمتع بمواطن الجمال فيها لا يتوقف على قسمة تلك المعاني إلى حقائق ومجازات. وأن تمتع الباحث عن القرائن المحيطة بكل لفظ من غير حاجز يحجزه عن توقع إرادة أي معنى من معاني اللفظ = هو أعظم من تمتع غيره ممن تحجزه الحواجز المشار إليها.
3 - قال الدكتور: (( ... إذ تجد في مقابل ذلك من يطعُن في المجاز ويحاول هدمه من أصوله وأنه حادث في هذه الأمة، وما جاء إلا من المعتزلة والجهمية وأضرابهم من المتكلمين، وأن المجاز طاغوت التجأ إليه المعطلة لتعطيل نصوص الوحي، وأن الذين اخترعوه جهمية وزنادقة، كما قرأنا هذا في مصنفات بعض المعاصرين)).
قلت: ليس هذا زعم المعاصرين فحسب يا دكتور، ومن أئمة أهل السنة السابقين من وكد كون المجاز بدعة جهمية ومركب معتزلي وسنة أشعرية = كل ذلك والمعاصرون في أصلاب آبائهم؛فإلصاق هذا بالمعاصرين فحسب = غير حسن وغير دقيق.
4 - قال الدكتور: ((إن الذين يثبتون المجاز هم علماء هذه الأمة)).
قلت: كذا قال الدكتور ((علماء هذه الأمة)) (!!) ثم عاد واستدرك بغير صيغة استدراك فقال: ((جمهورهم يحكي القول بالمجاز)) .. ثم لم يترك لنا مجالاً للاعتذار له بأن الثانية تفسر الأولى فعاد فقال مضرباً على لفظ الجمهور: ((بل حكى يحيى بن حمزة العلوي في كتابه (الطراز) إجماعَ علماء الأمة على القول بالمجاز)).
¥