[تحرير معنى التدبر عند المفسرين]
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[14 Dec 2008, 08:13 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ..
فإن تحرير الحقائق العلمية وضبطها؛ من أهم المسائل التي عُني بها العلماء لضبط العلوم.
والحقائق العلمية منها ما يكون متفقاً على مضمونه ـ كالمصطلحات الشرعية في الغالب من صلاة وزكاة وحج وإيمان وكفر وغيرها ـ ومنها ما يختلف العلماء فيه، فيقع لغير العارف بمرادهم الخلط والخطأ كما وقع ذلك في مصطلح النسخ والكراهة.
والكلمة التي ندرسها في هذه الورقة هي من الحقائق التي يتفق العلماء على مضمونها وإن اختلفت العبارات، كما سيأتي ــ إن شاء الله ــ.
وقد تقدمت بهذا البحث المختصر في ملتقى تدبر الأول الذي نظمته مشكورة الهيئة العالمية لتدبر القرآن، وقد أحببت نقله هنا ليكون بين يدي أهل التفسير أسأل الله التوفيق والسداد ..
وقد قسمت الحديث إلى المباحث التالية:
المبحث الأول: تعريف التدبر في اللغة.
المبحث الثاني: معنى التدبر عن المفسرين.
المبحث الثالث: معنى إضافة التدبر للقرآن.
المبحث الرابع: الفرق بين التدبر والاستنباط.
المبحث السادس: نتائج البحث.
(تمهيد)
التدبر من الكلمات الواردة في القرآن على أصل معناها اللغوي ولم تنتقل إلى اصطلاح شرعي جديد، وهذا حال أغلب كلمات القرآن.
لذا لا يصح ــ في نظري والعلم عند الله ــ أن نفرد له تعريفاً شرعياً كما في مصطلح الصلاة والزكاة وغيرهما من الكلمات المنقولة عن معناها اللغوي إلى اصطلاح شرعي معروف، بل يبقى التعريف على الاستعمال اللغوي وبه تُفَسَّرُ الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة، وهذا هو عمل المفسرين رحمهم الله تعالى، فإنهم عرَّفوا التدبر بمعناه اللغوي، وذكروا في كل آية ما يناسب السياق.
يوضح هذا أن الحقيقة الشرعية: " هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولاً في الشرع كالصلاة للعبادة المخصوصة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وكّالإيمان للاعتقاد والقول والعمل" (1).
قال الآمدي: " وأما الحقيقة الشرعية، فهي استعمال الاسم الشرعي فيما كان موضوعاً له أولاً في الشرع.
وسواء كان الاسم الشرعي ومسماه لا يعرفهما أهل اللغة، أو هما معروفان لهم؛ غير أنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى.
أو عَرَفُوا المعنى، ولم يَعْرِفُوا الاسم. أو عرفوا الاسم ولم يعرفوا ذلك المعنى، كاسم الصلاة، والحج، والزكاة نحوه. وكذلك اسم الإيمان والكفر" (2).
بناء على ذلك نقول: إن التدبر حقيقةٌ لغويةٌ متفقٌ على معناها ولم ينتقل إلى حقيقة شرعية، وإنما يفسر عند الإضافة بما يناسب المضاف إليه، كما سيأتي عند الحديث عن المعنى الإضافي في (تدبر القرآن).
ثم إن التدبر قد أصبح حقيقة عرفية عند المفسرين والمراد بها تدبر القرآن فإذا أطلق التدبر عندهم فالمراد به أخص من المدلول العام للتدبر.
المبحث الأول
(تعريف التدبر في اللغة)
قبل الحديث عن معنى التدبر عند المفسرين ينبغي أن نعرج بلمحة سريعة على معنى التدبر في اللغة حتى يتبين ما قدمناه في التمهيد من كون التدبر حقيقة لغوية لم تنتقل إلى اصطلاح شرعي.
التدبر في اللغة:
تدور مادة الكلمة حول أواخر الأمور وعواقبها وأدبارها، فالتدبُّر هو: النظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه.
قال الزجاج: " التدبر: النظر في عاقبة الشيء " (3).
وقال ابن فارس: " دبر: الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه في قياسٍ واحد، وهو آخِر الشَّيء " (4).
وقال الجرجاني في تعريف التدبر: " عبارة عن النظر في عواقب الأمور، وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكرَ تصرفُ القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب " (5).
والتدبير والتدبر: نظرٌ في عواقب الأمور (6). فتنظر إلى ما يؤول إليه عاقبتُه (7).
المبحث الثاني
[تحرير معنى التدبر عند المفسرين]
لم يختلف استعمال المفسرين للتدبر عن معناه اللغوي، بل جاء على الاستعمال السابق.
ويمكن تحرير ذلك بأمرين:
الأول: النظر في تعاريفهم لكلمة التدبر (8):
قال ابن عطية: " التدبر: النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء " (9).
وقال البغوي: " التدبر: هو النظر في آخر الأمر، ودُبر كل شيء آخره" (10).
¥