تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بحث: من محاذير التفسير: سوء التأويل (يوسف القرضاوي)]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[24 Dec 2008, 05:38 ص]ـ

ملاحظة: هوامش البحث مفقودة.

===

من محاذير التفسير: سوء التأويل

د. يوسف القرضاوي

المصدر: مجلة إسلامية المعرفة ( http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_article_read.asp?articleID=741&catID=17&adad=8)، العدد 8

من المقرر لدى أهل العلم: أن الأصل هو إبقاء النصوص على ظواهرها، دلالة على معانيها الأصلية، كما وضعت في اللغة.

ولكن تأويل النصوص، بصرفها عن معناها الحقيقي إلى معناها المجازي، أو الكنائي، لا يخالف فيه عالم له دراية بالقرآن والسنة.

وقد لا يسمي بعضهم ذلك مجازاً، ويطلق عليه اسماً آخر، كما يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية (توفي: 728ه/1328م)، ومن سبقه من علماء اللغة، ثم من تبعه من تلاميذه.

ونحن لا تهمنا الأسماء والعناوين إذا صحّت المسمّيات والمضامين، فهم متفقون على صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر غير المتبادر منه.

* لا تأويل إلا بدليل:

المهم ألا يحدث إلا بدليل أو بقرينة توجب صرفه عن المعنى الأصلي، وإلا بطلت الثقة باللغة ومهمتها. فإذا وجدنا الدليل أو القرينة صرفنا اللفظ من الصريح إلى الكناية، ومن الحقيقة إلى المجاز.

في القرآن الكريم نجد ذلك التعبير بالكناية في مثل قوله تعالى: ?أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً? (المائدة: 6)، فالغائط هو: المكان المطمئن من الأرض، كُني بالمجيء منه عن التغوط، وهو الحدث الأصغر.

وأما قوله: ?أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ? فقد كنى به عن الحدث الأكبر، كما قال ترجمان القرآن ابن عباس (توفي: 68ه/688م): هو الجماع، وقال الفقيه التابعي الجليل سعيد بن جبير: ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي: ليس بالجماع؛ وقال ناس من العرب: اللمس الجماع؛ قال: فأتيت ابن عباس فقلت له: إن أناساً من الموالي والعرب اختلفوا في (اللمس) فقالت الموالي: ليس بالجماع، وقالت العرب: الجماع. قال ابن عباس: فمن أي الفريقين كنت؟ قال: كنت من الموالي، قال: "غُلب فريق الموالي! إن اللّمس والمسَّ والمباشرة: الجماع، ولكن الله يُكنّي ما شاء بما شاء."1

ومن الصحابة والتابعين من أدخل مقدِّمات الجماع في معنى اللّمس والمسّ، مثل القُبلة والجس باليد ونحوها.2

وقد رجح ابن تيمية ما ذهب إليه ابن عباس من أن اللمس كناية عن الجماع3 ولكنه لم يسم ذلك مجازاً، ولم يعتبره تأويلاً، والنتيجة واحدة.

التأويل إذن مقبول إذا دلَّ عليه دليل صحيح من اللغة أو من الشرع أو من العقل، وإلا كان مردوداً مهما يكن قائله.

* اهتمام العلماء بضوابط التأويل:

لهذا كان من اشد ما تتعرض له النصوص خطراً: سوء التأويل لها، بمعنى أن تُفسر تفسيراً يخرجها عما أراد الله تعالى ورسوله بها، إلى معان آُخر، يريدها المؤوِّلون لها. وقد تكون هذه المعاني صحيحة في نفسها، ولكن هذه النصوص لا تدل عليها، وقد تكون المعاني فاسدة في ذاته، وأيضاً لا تدل النصوص عليها. فيكون الفساد في الدليل والمدلول معاً.

وقضية (التأويل) قضية كبيرة تعرَّض لها علماء الأصول، وأشبعوها بحثاً، على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، وشاكرهم في هذا علماء الكلام والتفسير.

والمراد بالتأويل4 - هنا- معناه الاصطلاحي، وهو: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح يحتمله، لدليل يُصيِّره راجحاً.5

وهذا هو التأويل الصحيح المقبول.

فلا بد أن يكون الصرف إلى معنى يحتمله اللفظ، ولو كان احتمالاً مرجوحاً. وإلا لم يكن تأويلاً، وإنما هو جهل وضلال، أو عبث وباطل.

ولا بد أن يقوم دليل راجح على هذا الصرف، وإن كان اللفظ يحتمله؛ لأن ترك الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لا يجوز إلى بدليل. وإلا لقال كل من شاء ما شاء، وأبطل كل زائغ أدلة الشرع الواضحة بلا برهان، متذرعاً بعنوان التأويل.

ولا بد أن يكون الدليل الذي صرف عن الظاهر راجحاً فأما دليل مرجوح أو مساوٍ فهو مردود.

ومعنى هذا أن التأويل لا يجوز لكل من هبَّ ودبَّ، ولا يجوز بلا قيد ولا شرط، كما يتوهَّم الجاهلون والمتلاعبون.

قال ابن برهان: وهذا الباب أنفع كتب الأصول وأجلُّها، ولم يَزِلَّ الزَّالُّ إلا بالتأويل الفاسد.6

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير