[المباحث (9 - 10) في سر حذف إحدى الياءين]
ـ[العرابلي]ــــــــ[30 Jan 2009, 12:51 ص]ـ
المبحث التاسع
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث التاسع في سر حذف إحدى الياءين
قبل الدخول في النوع الأول يجب التنبيه إلى سر استخدام حرف الياء في جمع المذكر السالم:
أولاً: الياء حرف مد، والمد زيادة في الأصل، والجمع زيادة في الواحد الذي هو أقل الأعداد وأصلها؛ لذلك صلحت الياء لتكون علامة للجمع.
وثانيًا: أن استعمال الياء هو لبيان وجود تحول، والتحول يكون في الغالب في الصفات، ولذلك استعملت علامة لجمع المذكر السالم الذي هو جمع لأصحاب الصفات.
وثالثًا: أن الرفع هو الأصل، والنصب والجر هو تحول عن الأصل، ولذلك كانت الياء علامة على هذا التحول في حالتي النصب والجر في جمع المذكر السالم.
ورابعًا: أن الياء لما كانت تفيد التحول، والتحول الأخير يلغي التحول السابق له إذا كان هناك أكثر من تحول؛ كتحول بعض الخضار أو الفاكهة الخضراء إلى صفراء أولاً، ثم إلى حمراء بعد ذلك، فالحمرة طمست ما قبلها من التحولات السابقة، فبقاء صورتين لياءين متتاليين تفيد بقاء تحولين متتاليين، خلافًا للواقع، مما يوجب حذف أحدهما، والمثال ضربناه لتوضيح المعاني بما يمكن إحساسه في الواقع، وليس المثال هو المقصود.
وخامسًا: أن الجمع يوحد أفراده على صفة واحدة؛ يتساوون في حملها، دون الإشارة إلى الفوارق بينهم، ودرجات حملهم لهذه الصفات، ولذلك كانت علامة اسم الفاعل هي التي تحذف للدلالة على تساوي أقراد الجمع في جمع المذكر السالم والمؤنث السالم، اللذان سنأتي عليهما في أبحاث قادمة إن شاء الله تعالى عند الحديث عن حذف الألف.
والياء في بحثنا هذا؛ هي علامة اسم الفاعل في الأمثلة اللاحقة التي سنأتي عليها، فهي الأحق في الحذف، وتبقى الياء التي هي علامة الجمع، والأولى أن ترسم ياء فارسية (ےّ) وعليها شدة للدلالة على الياء المحذوفة قيل الياء، وليس بعدها، لأن هذا هو الذي يوافق المعاني التي بني عليها الرسم القرآني، وإن كان الرسم لا يؤثر في القراءة ما دام هناك إشارة تدل على المحذوف.
النوع الثالث: حكم الياء المكررة وتنقسم إلى أربعة أقسام هي:
1 - حكم الياء المكررة وسطًا ولم تكن إحداهما صورة للهمزة؛
تكررت الياء في أسماء وأفعال؛
وقد جاءت الياء المكررة في خمسة أسماء؛ (ربانيين، حواريين، أميين، نبيين، عليين)
وحذفت الياء في أربعة منها؛ (ربانيين، الحواريين، الأميين، والنبيين)؛
ربانيين؛ ذكرت مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّـ (ي) ـنَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران.
حواريين؛ ذكرت مرتين؛
في قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّـ (ي) ـنَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا ءامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة.
وفي قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـ (ي) ـن مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ (14) الصف.
أميين؛ ذكرت ثلاث مرات؛
في قوله تعالى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا (20) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (2) الجمعة.
ونبيِّين: ذكرت ثلاث عشرة مرة؛ نذكر منها مثلا واحدًا؛
في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّـ (ي) ـنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (213) البقرة.
حذفت الياء لئلا تجتمع صورتان لياءين متتاليين، وأن هذه الجمع تساوى أفراده فيما ذكروا به،
فكل الحواريين؛ حواريون لعيسى عليه السلام.
والعرب الجاهليون كلهم أميون لم ينزل عليهم كتاب من الله تعالى قبل القرآن.
وكل الأنبياء هم نبيُّون من عند الله.
وكذلك كل الربانيين ربانيون لرب واحد.
¥