1_ قول: إن التدبر لا يكون إلا بعد معرفة المعنى الصحيح الآية ليس بصحيح، فأنت ترى العامي المداوم على قراءة القرآن والنظر فيه يخرج بمعان وفوائد نتيجة لتدبره، وهو لم يطالع تفسير الطبري، ولم يسمع بتفسير ابن عطية ..
وبهذا يتقرر أن التدبر متاح لكل أحد بحسبه، وعلى قدر علمه وزكاء قريحته وجودة نظره ....
الأخ عذب الشجن .. الرؤية العميقة مطلوبة بلا شك في تحرير المصلطحات، ولعل مجرد مرورك السريع لا يكفي في ذلك بل لا بد من مزيد تأمل للوصول إلى ما أردت من العمق ..
وما لا حظته على عجل .. قد تأملت فيه أياماً قبل أن أكتب هذا البحث، فليتك تأملت أيضاً طويلاً فيما لا حظت ..
ولعلي أجيب على ما تفضلت به مشكوراً من ملحوظات:
1 - ما تفضلت به بقولك: (قول: إن التدبر لا يكون إلا بعد معرفة المعنى الصحيح الآية ليس بصحيح، فأنت ترى العامي المداوم على قراءة القرآن والنظر فيه يخرج بمعان وفوائد نتيجة لتدبره، وهو لم يطالع تفسير الطبري، ولم يسمع بتفسير ابن عطية ..
وبهذا يتقرر أن التدبر متاح لكل أحد بحسبه، وعلى قدر علمه وزكاء قريحته وجودة نظره).
آمل أن نتأمل ما يلي:
أ ـ إن الجزم بعدم الصحة بقولك الكريم: (ليس بصحيح) أرى أنه من العجلة التي ذكرتها، وإلا فإن نقيض هذا الأمر هو أحد أمرين:
- أن التدبر يحصل بلا معرفة للمعنى.
- أن التدبر يحصل ولو بفهمٍ غيرِ صحيح للمعنى.
ولا شك أنك لا تقصد الثاني، فيبقى الأول، وهو ما أردت إثباته بقولك الكريم: (فأنت ترى العامي المداوم على قراءة القرآن والنظر فيه يخرج بمعان وفوائد نتيجة لتدبره، وهو لم يطالع تفسير الطبري، ولم يسمع بتفسير ابن عطية .. ).
ب ـ هل يُعقل أن العامي الذي يخرج بمعانٍ وفوائد بعد التدبر، لا يكون عارفاً بمعنى الآية، ولا أظن أن عاقلاً يُصدِّقُ بوجود شخص يستخرج فوائد من نص لا يفهم معناه. فالعامي إذا أخرج معانٍ وفوائد من النص فإنها مبنية على فهمه لهذا المعنى، ومثاله لو قرأت قصيدة عربية على من لا يفهم العربية فهل يمكن لهم أن يستخرجوا منها حكماً وفوائد وهم لم يفهموها!!، وليس كون هذا المستخرج عامياً ـ أي ليس بطالب علم ـ معناه أنه لا يفهم اللغة العربية ولا معاني بعض آيات القرآن، فإنه يعلم بعض الآيات كما يجهل غيرها ..
ج ـ لم يقل أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين أن فهم المعنى لا يحصل إلا من تفسير ابن جرير الطبري أو ابن عطية، فآيات القرآن كما لا يخفاك قسمان:
- آيات معلومة المعنى للقارئ العربي ولا تحتاج إلى رجوع إلى مثل هذه التفاسير فهذه يتدبرها القارئ العربي مباشرة ويزداد تدبره بمراجعة كتب التفاسير.
- وآيات تحتاج إلى مراجعة التفسير.
قال الزَّرْكَشيُّ (ت:794هـ): "ينقسم القرآن العظيم إلى: ما هو بيِّنٌ بنفسه، بلفظٍ لا يحتاج إلى بيانٍ منه، ولا من غيره ـ وهو كثير ـ ... وإلى: ما ليس ببيِّنٍ بنفسه، فيحتاج إلى بيان، وبيانُه إما فيه في آية أُخْرى، أو في السُّنَّةِ" [البرهان: 2/ 183 ـ 184].
وقال القرطبي (ت:671هـ): "والغرائبُ التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة ". [الجامع لأحكام القرآن:1/ 50].
د ـ اشتراط معرفة التفسير الصحيح للآية ليس معناه أن كل آيات القرآن بحاجة إلى تفسير، بل إن جزءاً من القرآن يفهم بقراءته كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما في تقسيمه للتفسير. فآمل أن لا يُفهم من اشتراط معرفة التفسير الصحيح أن كل آية بحاجة إلى مراجعة كتب التفاسير، بل المراد أن القارئ العربي يتدبر لأنه يفهم المعنى فالشرط متحقق فيه، وأما غير العربي فلا بد له من تعلم العربية ليفهم القرآن ويتدبره، وهذا العامي الذي استخرج فوائد من الآيات قد تحقق فيه هذا الشرط.
هـ ـ قولك وفقك الله: (وبهذا يتقرر أن التدبر متاح لكل أحد بحسبه، وعلى قدر علمه وزكاء قريحته وجودة نظره).
لا شك أن التقرير في أي علم بحاجة إلى أدلة وبراهين، فهل يكفي في نظرك ما اعترضت به من كون العامي يتدبر القرآن، بناء على كونه لم يفهم المعنى ـ كما يشير إليه اعتراضك ـ، هل يكفي ذلك دليلاً على ما قررت وفقك الله، علماً بأن العامي قد فهم المعنى كما سبق فهو لا يعارض ما ذكرتُ من الشرط.
وأصل الاعتراض أن العامي لا يفهم المعنى؛ فهل يصح ذلك مع كونه يتدبر القرآن.
¥