1 - أنك لم تستطع أن تجيء بكلمة "أسد" مجردة، من غير سياق، لتدل على المعنى الذي ذكرت. وهذا أبرز سمات المجاز، وهو الحاجة لقرينة السياق وما يحتف به، ليدل على غير المعنى الذي يمكن أن تدل عليه المفردة لو كانت مجردة عن أي سياق. يشهد لصحة ما ذكرت الواقع من جهتين:
أ - في حق الأطفال غالباً: حتى لو أخبرت الطفل أنك رأيت أسداً يخترق الصفوف و يجندل الأعداء، فإنه سيتبادر إلى أذهانهم المعنى الذي يعلمه كل طفل وكل بالغ في العالم، وهو الحيوان، فحتى قرينة السياق لا تفيده كثيرا لأنه لا يفطن لها وهذا يدل على تأصل معنى محدد في ذهن الطفل (والطفل ليس إلا الإنسان في اطواره الأولى). هكذا نرى أن سبق المعنى الحقيقي ليس في الذهن فقط بل حتى في السلم الزمني لحياة الإنسان. وهذا الأخير يعكس طبيعة الواقع الاجتماعي للغة، ويعكس وعي المربين - حتى ولو كانوا أميين - كالوالدين وغيرهما بهذه الحقيقة من جهة أنهم لا يستحسنون تعليم أطفالهم المعاني المجازية قبل المعاني الحقيقية وإلا لفسدت قدرتهم على التواصل الصحيح [1].
ب - في حق البالغين: فلو قلت "أسد"، منزوعة من كافة السياقات، لما تبادر إلى ذهنه غير ذلك الحيوان. وهذا واضح كالنهار لا يحتاج إلى دليل.
2 - أنك وصفت الموصوف بصفات، وهي كونه "فارساً مغواراً"، وهي صفات لائقة بالآدمي، أي حقيقة فيه، والدليل على ذلك أنك لا تكاد تجد من يستعملها بالعكس فيصف "الأسد" بكونه "فارساً مغواراً" (!!). لماذا هذه الظاهرة؟ لماذا لا يليق في العرف اللغوي أن نعكس - مادام أن المعاني كلها حقائق كما تقول - فنقول إذا رأينا أسداً (حيوان) "رأيت أسداً مغواراً"؟ [2] هذا يحملنا على ضرورة الإعتراف بأهمية التقسيم، أو قل ضرورة التفريق، من ناحية اصطلاحية، وذلك لوجود ما يدعم هذا في الواقع اللغوي. لا من فراغ.
= = = = = = = = = = =
[1] قد أفردت لهذا موضوعاً خاصاً بعنوان "ملاحظة لغوية نفسية قد تعزز موقف من يُقسِّم إلى حقيقة ومجاز".
[2] جرّب أن تقول "أنت إنسان رائع" تريد بذلك وصف البعير أو الحصان، ماذا ستبرر استعمالك - ما دام أن المعاني كلها حقيقة عندك؟ ولو أجرينا دراسة ووزعنا استبيان على ألوف الناس وطلبنا منهم أن يختاروا: هل هذا تعبير لائق أو غير لائق في عرف الاستعمال، لاختاروا كلهم أنه تعبير "غير لائق". وما وظيفة التفرقة بين الحقيقة والمجاز إلا المساعدة في معرفة ما يليق مما لا يليق في عرف الاستعمال، ولو كان كل شيء لائق بناءً على أن كل المعاني حقيقية فيما أوفي من تطلق عليه، لحصل من الخلل في حياة البشر ما لايوصف. أنت تقول أعلاه "استعمال للفظ في بعض ما يدل عليه"، فلو استعمل رجل "إنسان" يصف بها "الدلفين" لأنه حيوان فطن ويساعد الآخرين - كما هو معروف عنه - فهل نقول هنا "إطلاق إنسان على الدلفين هو إطلاق للفظ على بعض ما يدل عليه"!! هل حصل شيء مثل هذا تاريخ البشرية؟ أي هل حصل أن أطلق "إنسان" - إطلاقاً حقيقياً - على "بهائم" أو "عجماوات"؟ بل هل يمكن - في ضوء العرف اللغوي للبشر - أن يقع شيء مثل هذا في المستقبل؟
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[24 Dec 2008, 12:46 م]ـ
بوركتَ ..
1 - قرأتُ مقالك الذي تُشير إليه وهو يدور حول فكرة بدء اللغة وتطورها وهي فكرة ضعيفة جداً، وقضية الأطفال والبالغين إما أن تقصد الاستدلال بها على نظرية تطور اللغة = ولا يقول مسلم بها ... وإما أنك تستدل بدرك الأطفال للشائع على أن الشائع هو المعنى الأصلي، وهذا باطل وباطل جداً وما يشيع في لسان ليس يكون حكماً على لسان، وربما صح كلامك لو جئتَنا بطفل من عرب الجاهلية حينئذ يستقيم سياق الحجة ويبقى النظر فيها ...
2 - لا أقول: الجميع حقيقة ولا وجود للفظ الحقيقة عندي ...
3 - لي مقال مفرد في أنه لابد من السياق سواء في الأسد الحيوان أو في الأسد الرجل، وطالبتُ، ولا زلت أطالب متحدياً بنص عربي واحد فيه الأسد يدل على الحيوان من غير قرينة وقد استقرأتٌ في المقال المشار إليه لفظ الأسد في الشعر العربي فليُراجع.
4 - النص الذي اقتبسته هو من كلام العضو أبي الحسنات الدمشقي وليس كلامي فتنبه.