تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمقصود ((بالنص)) هنا، هو النص القرآني، الذي ظل ينزل على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) على مدى ثلاثة وعشرين عاما، ليضبط نهائيا في فترة الحكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ت35 هـ/556هـ).

والأرجح أن النص الموحد لم يتوفر له تفسير كامل من قبل الرسول، إلا أن هذا لم يمنع جيل الصحابة من إدراك عام لظاهر معانيه وأحكامه، من دون أن يأدي هذا الإدراك إلى الفهم الكامل التفصيلي والمعرفة المحيطة بدقائق النص، ثم كان لتعاقب الأجيال وتغير الأحوال الاجتماعية، والفكرية، والدينية ما حمل على ظهور تآليف، ترمي إلى أحاطة اشمل بمعاني القرآن .. ((ومع ذلك فإننا ـ يقول النيفر ـ لن نجد تفسيرا للقرآن بكامله سورة وآية آية قبل المائة الثالثة للهجرة / القرن التاسع الميلادي)) (7).

والملاحظ أن علم التفسير قطع أشواطا هامة في مجال تحديد تعريفه، ومنهجيته، وتفسير أبي السعود العمادي (ت951 هـ/1544م). كان يقال في القرون الثلاثة الأولى: أن التفسير علم من العلوم التي ((لا أنضجت ولا احترقت)) ولي ذلك تعبيرا عن قلة وضوح الغاية من التأليف فيه، كما يذهب النيفر (8)، بل أن العبارة توحي بأن هذا العلم ((الوليد)) ما تزال تنتظره آفاق رحبة من النمو والتطور، وبتعبير اليوم، إنه علم لم يستهلك بعد، ولم يصل الى نهاياته المعرفية، حيث التوقف حسب مقولة: ((إن الأوائل لم يتركوا للأواخر كبير الجهد في تفسير كتاب الله))!.

وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) غير مرة في خطبه ورسائله إلى هذه الآفاق الواعدة ((هذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولابد له من ترجمان، وانما ينطق عنه الرجال)) (9)، و ((ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره .. )) (10).

والغريب أن النيفر قد افتتح حديثه بالاستشهاد بالمأثور الأول للأمام علي (عليه السلام)،ولكن بشكل مبتور، ربما يخرجه عن سياق مراميه، وأيا كان الأمر، فقد عكف المفسرون الأوائل على الغوص في بحر القرآن و ((إبانة كلام الله والكشف عن مراميه)).

وكان التفسير وهو يسعى للوصول إلى مدلولات القرآن يرتكز دائما على نظام فكري ونسق ثقافي، وهذان الأمران هما: المنهجية والعدة المعرفية، سواء تلك التفاسير المعتمدة على الاجتهاد العقلي، والمعرفة بتفاسير الرأي، أم تفاسير الإثر، وسواء أكانت التفاسير المهتمة باستخراج الأحكام الفقهية، أم تلك التي نقلت عن المتصوفة، مما سمي بالتفاسير التأويلية الإشارية.

ظلت هذه المنهجية فاعلة حتى الفترة المعاصرة منتجة تفاسير كثيرة تنتمي إلى ما يسميها النيفر بالمدرسة التراثية ((التي يكون المفسر فيها متحركا ضمن الموروث اللغوي، والفقهي، وخاضعا لمنهج يجعل اللغة والتراث ((يفكران)) ممن خلاله، وليس العكس)) (11)، ثم يضيف النيفر قائلا: ((انه المنهج الذي يعيد إنتاج نفس المعرفة ونفس الفهم للنص وكأن الوحي اللالهي قد ضبطت دلالاته نهائيا .. )) (12). بعد هذا يخلص الى القول: ((لذلك فأهم خصوصيات هذا المنهج تتجاوزه باعتباره مجرد آلة يحلل بها المفسر جسم النص الى كونه يمثل جملة المفاهيم الأساسية التي تؤطر النص من حيث طبيعته، وحركته، ووظيفته،. من ثم يتمكن المنهج من أحاطة النص القرآني بسياج مفاهيمي لا يمكن التوصل الى إدراك دلالات النص، إلا باستيعاب تلك المفاهيم، أي يتمثل آلية فكرها وخصوصية رؤيتها، وهو ما يخلع على التراث الذي أبدع لفهم النص المؤسس سلطة شبه تقديسية تجعله بمثابة نص ثان)) (13).

وهذا الكلام الذي طالما يردده رواد تيار الحداثة، هذه الأيام، لا بخلو من تعميم وتوظيف مقصود، وإن توارى وراء الموضوعية، ويخاصة لدى المنادين بنظرية النص في نسختها الغربية، ولا يعني هذا أننا ننفي هيمنة سلطة التراث التفسيري الموروث، كيف وهذا أحد أساطين الفكر الإسلامي المعاصر ـ وهو السيد محمد باقر الصدر ـ يؤكد أن انتشار الاتجاه التجزيئي في التفسير ((ساعد على إعاقة الفكر الإسلامي القرآني عن النمو المستمر، وساعد على إكسابه حالة تشبه الحالات التكرارية، حتى تكاد تقول: أن قرونا من الزمن متراكمة مرت بعد تفاسير الطبري، والرازي، و الطوسي لم يحقق فيها الفكر الإسلامي مكاسب حقيقية جديدة، وظل التفسير ثابتا لا يتغير أي قليلا من خلال تلك القرون، على الرغم من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير