تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالقرآن الكريم الذي هو بحر الحقائق، آياته الجليلة غوّاصة كذلك في البحر تكشف عن الكنز، إلاّ أن عيونها مفتحة بصيرة تحيط بالكنز كله، وتبصر كل ما فيه، لذا يصف القرآن الكريم باياته الجليلة ذلك الكنز العظيم وصفاً متوازناً يلائمه وينسجم معه فيظهر حُسنه الحقيقي وجماله الاخاذ. فمثلاً:

ان القرآن الكريم يرى عظمة الربوبية الجليلة ويصفها بما تفيده الآيات الكريمة] والارض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه [(الزمر:67)] يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب [(الانبياء:104) وفي الوقت نفسه يرى شمول رحمته تعالى ويدل عليها بما تفصح عنه الآيات الكريمة] ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء^ هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء [(ال عمران: 5ـ6)] ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها [(هود:56)] وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم [(العنكبوت: 60).

ثم انه مثلما يرى سعة الخلاقية الإلهية ويدل عليها بما تعبّر عنها الآية الكريمة] خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور [(الانعام: 1) فانه يرى شمول تصرفه تعالى في الكون واحاطة ربوبيته بكل شئ وتدل عليها بما تبينه الآية الكريمة] خلقكم وما تعملون [(الصافات: 96)

ثم انه مثلما يرى الحقيقة العظمى التي تدل عليها الآية الكريمة] يحيى الارض بعد موتها [(الروم: 50) فانه يرى حقيقة الكرم الواسع التي تعبر عنها الآية الكريمة] واوحى ربك الى النحل .. [(النحل:68) ويدل عليها، ويرى في الوقت نفسه حقيقة الحاكمية المهيمنة ويدل عليها بـ] والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره [(الاعراف: 54) ومثلما يرى الحقيقة الرحيمة المدبرة التي تفيدها الآية الكريمة] أوَلم يروا الى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلاّ الرحمن انه بكل شيء بصير [(الملك:19) يرى الحقيقة العظمى التي تفيدها الآية الكريمة] وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما .. [(البقرة:255) في الوقت الذي يرى حقيقة الرقابة الإلهية في تعبير الآية] وهو معكم اين ما كنتم [(الحديد:4) كالحقيقة المحيطة التي تفصح عنها الآية] هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [(الحديد:3) ويرى أقربيته سبحانه التي يعبر عنها قوله تعالى] ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد [(ق: 16) مع ما تشير اليه من حقيقة سامية الآية الكريمة] تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة [(المعارج:4) كالحقيقة الجامعة التي تدل عليها وتفيدها الآية الكريمة] ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي [(النحل: 90) وامثالها من الآيات الكريمة التي تضم الدساتير الدنيوية والاخروية والعلمية والعملية.

فالقرآن يرى جميع الدساتير التي تحقق سعادة الدارين ويبيّنها مع بيانه كل ركن من اركان الايمان الستة بالتفصيل، وكل ركن من اركان الاسلام الخمسة بقصدٍ وجدّ محافظاً على الموازنة فيما بينها جميعاً مديماً تناسبها، فينشأ من منبع الجمال والحسن البديع الحاصل من تناسب مجموع تلك الحقائق وتوازنها اعجازٌ معنوي رائع للقرآن.

فمن هذا السر يتبين: أن علماء الكلام، وإن تتلمذوا على القرآن الكريم وألّفوا الوف الكتب - بعضها عشرات المجلدات - إلاّ انهم لترجيحهم العقل على النقل كالمعتزلة، عجزوا عن ان يوضحوا ما تفيده عشرُ آيات من القرآن الكريم وتثبته اثباتاً قاطعاً بما يورث القناعة والاطمئنان، ذلك لأنهم يحفرون عيوناً في سفوح جبال بعيدة ليأتوا منها بالماء الى اقصى العالم بوساطة انابيب، أي بسلسلة الاسباب، ثم يقطعون تلك السلسلة هناك، فيثبتون وجود واجب الوجود والمعرفة الإلهية التي هي كالماء الباعث على الحياة!! أما الآيات الكريمة فكل واحدة منها كعصا موسى تستطيع ان تفجّر الماء اينما ضربت، وتفتح من كل شئ نافذةً تدل على الصانع الجليل وتعرّفه. وقد أثبتت هذه الحقيقة بوضوح في سائر الكلمات وفي الرسالة العربية (قطرة) المترشحة من بحر القرآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير