ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[19 Jan 2009, 04:24 ص]ـ
أفيد الإخوة الأعزاء بمعلومات موجزة عن مشروع تحقيق البحر المحيط في الجامعة الإسلامية، وذلك كوني أحد طلاب الدكتوراة المشاركين في تحقيقه. وحقيقة كنت ادفع نفسي عن الكتابة في ذلك لكي لا يُظن أنها مجرد دعاية، أو لذات الاستنقاص أو ما شابه؛ ولكن عندما رأيت الأمر يتجه باللوم نحو الجامعة الإسلامية دفعني حبي للجامعة وغيرتي عليها لتوضيح بعض الأمور، فأقول مستعيناً بالله:
أولاً / نظرة مقتضبة على مشروع الجامعة الإسلامية لتحقيق البحر المحيط:
لقد تبنت الجامعة الإسلامية متمثلة في كلية القرآن وقسم التفسير مشروع تحقيق البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي واشترطت بأن يكون التسجيل فيه لطلاب مرحلة الدكتوراة فحسب وقد تم تسجيل 24 رسالة دكتوراة تحقيقاً ودراسة، علماً أن تسجيل الرسائل قد مر بمراحل عدة للتثبت والتوثيق من جدوى تحقيقه.
وقد تم تشكيل لجنة مكونة من 6 دكاترة في مجلس قسم التفسير لوضع خطة موحدة تكون هي المنار في تحقيقه ويُسلك سبيلها لتوحيد المناهج وتضييف نطاق التفاوت المتوقع حدوثه في مثل هذه المشاريع الضخمة. ولتسهيل مهمة طباعته بعد ذلك. وفعلاً وضعت تلك اللجنة خطة التحقيق وألزم الجميع بها.
وقد تم عقد لقاء علمي وتشاوري بين سعادة المشرفين على تحقيق البحر المحيط والطلاب وكانت له نتائج إيجابية.
ولا يخفى أن مشروعاً كتحقيق البحر المحيط ينبغي أن يحظى بعناية فائقة وخاصة؛ نظراً لأهميته ومتانته وضخامته، وذلك بداية من تحقيق النص وانتهاء بخدمته.
ولا شك أن تحقيق الكتاب على الوجه اللائق به قد تأخر ولكن ارجو أن يكون في هذا المشروع خدمة للكتاب وأن يحظى بحقه ومستحقه في ذلك بين مكتبة الدراسات القرآنية.
ولقد قام قسم التفسير بأخذ تعهدات من جميع الطلبة لعدم الممانعة في طباعة الكتاب في الجامعة وذلك عزماً منهم – فيما أحسب – على أن يخرج الكتاب محققاً وأن يجد طريقه للمكتبات سريعاً لا كما هو الحال في بعض المشاريع العلمية التي ظلت حبيسة الرفوف وضلت طريقها لأيدي طلاب العلم.
وقد تبرع بعض الزملاء بالقيام بالمسح الميداني للبحث عن نسخ الكتاب الخطية والانتقاء منها ما هو مناسب لتحقيق الكتاب كي يخرج بأقرب صورة – إن لم يكن هي ذاتها – لما كتبه أبو حيان رحمه الله.
كما أن الخطة التي سيقوم عليها تحقيق الكتاب راعت جوانب هامة من عدم إطالة التعليقات الخارجة عن مقصود الكتاب إلا فيما دعت له الضرورة، لاسيما ترجمة الأعلام وتخريج الأحاديث. وذلك لكي لا تطول الحواشي وينوء به طلاب العلم أولي الهمة!
إضافة إلى ما هو معروف في منهج التحقيق من مهيع متبع.
ثانياً / نظرة سريعة على طبعات البحر المحيط:
لا يخفى أن كل ما هو موجود من طبعات البحر المحيط هي عالة على الطبعة التي طُبعت قبل قرن تقريباً وذلك في مطبعة السعادة عام 1327هـ ولا شك أن لهم فضل إخراجها وحسبهم من أجرها أن بقي أهل العلم منها ينهلون لمدة مائة عام تقريباً، بيد أنها كثيرة السقط والأخطاء، ومن جاء بعدهم لم يزد على ذلك كثيراً، وقد كانت هناك ثمة محاولة مشكورة لتحقيق البحر المحيط من د. عبد السميع حسنين ولكن المنية وافته قبل إتمام مشروعه ولمَّا يبلغ ربعه، على عوز فيه من حيث العناية بالنسخ الخطية حيث اكتفى بنسختين من دار الكتب المصرية وفي النادر على نسخة ثالثة مغربية قال عنها رحمه الله " فأما المغربية فرديئة الخط، ويصعب قراءتها، والاعتماد عليها، ولم أعتمد عليها في شيء إلا في القليل النادر". علماً أن هناك بعض النسخ المهمة جدا في الوصول إلى نص أبي حيان في البحر، ولعله رحمه الله لم يستطع التوصل إليها لصعوبتها في ذلك الوقت وما شابه.
ثالثاً / التحقيقات العلمية للبحر المحيط:
بحسب البحث والسؤال وجدنا بعض الرسائل العلمية التي قامت بتحقيق البحر المحيط وكان أول بداية – فيما يظهر - في تحقيقه في جامعة الإمام محمد بن سعود في قسم القرآن في رسالة دكتوراة لعلي الزبيري رحمه الله في عام 1408هـ وبإشراف د. محمد الراوي أي قبل أكثر من عشرين سنة؛ فكان لهم السبق في بداية تحقيقه. ولكن لم يُواصل في المشروع لعدة أسباب وانقطع من ذلك الحين إلى أن حان وقت بعثه من جديد في الجامعة الإسلامية.
كما أنه قد سُجل بجامعة دمشق، وبنظرة سريعة وجدنا قلة العناية بالنسخ الخطية، فقد كان الاعتماد لدى بعضهم على نسختين خطية سيئة مع المطبوعة وهي كما ذكر" نسخة مركز جمعة الماجد ونسخة المكتبة الأحمدية بحلب ومطبوعة البحر ". علماً أن نسخة حلب متأخرة جدا وهي سيئة كما قال محقق أحد الرسائل في دمشق "وهي نسخة رديئة محشوة بالتصحيف والتحريف، وفيها الكثير من السقط".
وأشير أيضاً إلى أن ثمة نسخ أخرى هي من الأهمية بمكان لم يُستعن بها في تحقيقه.
كما أنه لم يحصل التزام بمنهج التحقيق الذي اُتخذ، وفيها قصور واضح في خدمة النص من حيث ترجمة الأعلام والعزو والتوثيق، فكثير من التراجم والأحاديث والغريب ومسائل النحو والصرف لم يعلق عليها بتاتاً. وليس هذا مجال الإسهاب في نقدها.
ولا يخفى أن إخراج الكتاب كما كتبه مؤلفه هو المقصود من التحقيق بالدرجة الأولى ويأتي ثانياً خدمة النص والتعليق.
فلا شك إذن في أهمية تحقيقه تحقيقاً علمياً يليق بالبحر المحيط ولا أبعد إن قلت أن تحقيق البحر تحقيقاً علميا هو دين على المتخصصين في التفسير.
كما أنه ليس بدعاً من الفعل أن يُحقق كتاب في جامعة خارج المملكة ويُحقق داخلها لا سيما إذا كان هناك الجديد والمفيد. وقد حصل ذلك مررا.
وختاماً اسأل الله أن يعينني وزملائي في تحقيق هذا الكتاب والقيام بأداء الأمانة بما يرضي الله عز وجل، وأن يجعل أعمالنا وأقوالنا لوجه خالصة وألا يكون هم أحدنا دنيا فانية ورسائل لا تغني من الله شيئاً يوم القيامة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥