تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يكون التقديم بحسب الرتبة وذلك كقوله تعالى (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) القلم) فإن الهمّاز هو العيّاب وذلك لا يفتقر إلى مشي بخلاف النميمة فإنها نقل للحديث من مكان إلى مكان عن شخص إلى شخص. فبدأ بالهماز وهو الذي يعيب الناس وهذا لا يفتقر إلى مشي ولا حركة، ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في الإيذاء وهو المشي بالنميمة ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في الإيذاء وهو أنه يمنع الخير عن الآخرين. وهذه مرتبة بعد في الإيذاء مما تقدمها. ثم انتقل إلى مرتبة أخرى أبعد مما قبلها وهو الإعتداء فإن منع الخير قد لا يصحبه اعتداء أما العدوان فهو مرتبة أشد في الإيذاء. ثم ختمها بقوله أثيم وهو وصف جامع لأنواع الشرور فهي مرتبة أخرى أشد إيذاءً. جاء في بدائع الفوائد: وأما تقدم همّاز على مشّاء بنميم فالرتبة لأن المشي مرتب على القعود في المكان. والهماز هو العيّاب وذلك لا يفتقر إلى حركة وانتقال من موضعه بخلاف النميم. وأما تقدم مناع للخير على معتد فبالرتبة أيضاً لأن المناع يمنع من نفسه والمعتدي يعتدي على غيره ونفسه قبل غيره.

** وجعلوا من تقدم السمع على العلم حيث وقع في القرآن الكريم كقوله تعالى (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة) وقوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال) وذلك أنه خبر يتضمن التخويف والتهديد. فبدأ بالسمع لتعلقه كالأصوات وهمس الحركات فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقاً بما ظهر وبطن وواقعاً على ما قرب وشطن. ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم.

ويمكن أن يقال: إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه.

** وجعلوا منه أيضاً تقديم المغفرة على الرحمة نحو قوله (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة) في آيات كثيرة وقوله (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) النساء) قالوا: وسبب تقديم الغفور على الرحيم أن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة وإنما تأخرت في سورة سبأ في قوله (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)) فالرحمة شملتهم جميعاً والمغفرة تخص بعضاً. والعموم قبل الخصوص بالرتبة. ولإيضاح ذلك أن جميع الخلائق من الإنس والجن والحيوان وغيرهم محتاجون إلى رحمته فهي برحمته تحيا وتعيش وبرحمته تتراحم وأما المغفرة فتخص المكلفين فالرحمة أعمّ.

** ومن التقديم بالرتبة أيضاً قوله تعالى في من يكنز الذهب والفضة (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة) فبدأ بالجباه ثم الجنوب ثم الظهور قيل: لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم فتدرج حسب الرتبة.

وقد يكون التقديم بحسب الكثرة والقلة فقد يرتب المذكورات متدرجاً من القلة إلى الكثرة حسبما يقتضيه المقام وذلك نحو قوله (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة. فالطائفون أقل من العاكفين لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة. والعكوف يكون في المساجد عموماً والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد. والراكعون أقل من الساجدين وذلك لأن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع لا بد أن يسجد وقد يكون سجود ليس فيه ركوع كسجود التلاوة وسجدو الشكر فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة. ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلام على بيت الله الحرام. قال تعالى (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) فالطائفون هم ألصق المذكورين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير