ثاني هذه الإشكاليات مرتبطة بالدراسة المصطلحية التي تحتاج صراحة إلى مزيد من التعديل والتطوير، وقد حاولنا في مقام آخر تعديل بعض الخطوات المنهجية وتطوير بعضها الآخر بما يستجيب مع الدرس القرآني وطبيعة النتائج المراد التوصل إليها. فالإشكال يكمن في الوقوع في التجزيئية على مستوى بناء المفاهيم حيث أن لا الرصد ولا الوصف بإمكانهما بناء المفهوم القرآني، كما إن منهجية البحث اللغوي -وإن كانت هذه مسائل تقنية فلها دور مهم فيما نحن بصدده- لا يحقق المقاصد المرجوة؛ لهذا نقترح "مؤشر المنسوب الكمي" وفق نظرية المشتقات، فبإمكانها كما اعتقد تجاوز هذا الإشكال، أما طريقة التعامل مع القرآن الكريم وفق هذا المنهج؛ فإن تتبع المصطلح ومشتقاته وسياقاته في سور القرآن الكريم لا تكفي وحدها لرصد بنائية المفهوم القرآني، لهذا كان مقترح "المنهج البنائي".
ثانيا- حاجيات معرفية ملحة في الدرس الاصطلاحي القرآني
أفضت محاولاتي البحثية في رحاب القرآن الكريم وفق الدراسة المصطلحية المدعمة بالتفسير البنائي [3] إلى رصد حاجيات أساسية وعاجلة لإنجاز الموسوعة المصطلحية والمفهومية القرآنية في أفق تأكيد مرجعية القرآن الحضارية:
أولا- نحن في حاجة إلى معجم لغوي اصطلاحي شامل أي: مراجعة لكل المعاجم اللغوية التاريخية والمعاصرة، وإعادة صياغتها وفق مناهج الدراسة المصطلية لإنجاز مشروع معجم لغوي مصطلحي يستجيب لطموحات الأمة المعرفية.
ثانيا– نحن في حاجة إلى دراسة أكبر عدد من المصطلحات القرآنية وفق منهج الدراسة المصطلحية وذلك بسبب ترابط المفاهيم والمصطلحات بعضها ببعض وهذا ما يمكن أن نسميه ضمن نظرية الوحدة البنائية للقرآن الكريم بالتفسير الموضوعي/ المصطلحي (المصطلحات يوضح بعضها البعض الآخر)، وبناء على ذلك نحن في حاجة إلى إنجاز شبكة العلاقات البنائية للمصطلحات القرآنية.
ثالثا- نحن في حاجة إلى موسوعة البيانات النبوية للألفاظ القرآنية.
رابعا- نحن في حاجة إلى تجديد المنهج في الدراسات المصطلحية والدرس التفسيري على أساس "نظرية الوحدة البنائية" و"التفسير البنائي"، فستكون فتحا بإذن الله.
ثالثا- نظرية الوحدة البنائية للقرآن الكريم –خطوات تأسيسية-
أ- مفهوم نظرية الوحدة البنائية للقرآن الكريم
يتطلب تحديد مفهوم دقيق لنظرية الوحدة البنائية للقرآن الكريم من إنجاز بحث علمي تفصيلي لها وهو ما ستحاول هذه المقالة بإعطاء تصور أولي فقط حول منهجية هذا البحث العلمي المزمع إنجازه، لكن لا بأس في هذا المقام من تقديم -ولو بشكل وجيز ومختصر- فكرة عامة عن هذه النظرية:
إن الوحدة البنائية تعني في جملة أن القرآن الكريم بكل آياته وبكل سوره وبكل قضاياه ومواضيعه هو في آخر المطاف "وحدة موضوعية واحدة" متجانسة ومتكاملة غير قابلة للتجزيء ولا للتقسيم أي قبول بعض القرآن ورفض البعض الآخر على سبيل المثال، كما أن كل المحاولات التي تريد إقصاء القرآن عن ساحة الفعل الحضاري من خلال محاولات مكشوفة عبر عناوين التجديد أو النقد ترتد أمام وحدته البنائية خاسئة وهي حسيرة؛ لأن القرآن الكريم بكل بساطة من عند الله فطبيعي أن يتسم بصفات الرحمان من الكمال والتوحيد ولهذا فهو معجز في نظمه ومعجز في دلالاته ومعجز في تناسبيته البيانية العجيبة؛ وهذا الضرب من الإعجاز هو ما تكفل بإبراز معالمه البحوث البيانية حول القرآن الكريم، وهي بحوث لعبت دورا مهما في مواجهة محاولات الطعن في القرآن الكريم في عصرها. أما الآن حيث تصاعد وتيرة النقد والطعن واستفحالها وخطورتها على الطلبة الباحثين والمثقفين المسلمين المتأثرين بثقافة الغرب؛ فإنه أصبح من الضروري إبراز هذه الوحدة البنائية للقرآن الكريم بالمنهج الذي يتناسب والتحديات المعاصرة التي تتسلح بمناهج العلوم الإنسانية بكل ما تحمله من مفردات تعقيدية أحيانا وملتبسة أحايين أخرى، كما أن من شأن هذه الوحدة البنائية أن تؤهل الجهود الرامية إلى إعادة بناء العلوم والمعارف الإسلامية على ضوء مقاصد القرآن الكريم ومرجعيته الحضارية.
ب- منهج إنجاز نظرية الوحدة البنائية للقرآن الكريم
* المراحل الأساسية:
1. رصد مقاصد القرآن من خلال:
أ. تتبع حديث القرآن عن القرآن.
ب. رصد علله المنوطة به عبر منهج التعليل.
جـ. تجميع هذه العلل في مقاصد كبرى جامعة.
¥