جاء في الآية 4 من سورة الأحزاب:" مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ".
قال الرازي:" ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ: قال بعض المفسرين الآية نزلت في أبي معمر كان يقول: لي قلبان أعلم وأفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد. فرد الله عليه بقوله: ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ، وقال الزمخشري قوله: وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم، أي ما جعل لرجل قلبين كما لم يجعل لرجل أُمّين ولا لابن أبوين، وكلاهما ضعيف، بل الحق أن يقال إنّ الله لما أُمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله: ياأيها النبى اتق الله، فكان ذلك أمراً له بتقوى لا يكون فوقها تقوى، ومن يتقي ويخاف شيئاً خوفاً شديداً لا يدخل في قلبه شيء آخر، ألا ترى أنّ الخائف الشديد الخوف ينسى مهماته حالة الخوف. فكأن الله تعالى قال يا أيها النبي اتق الله حق تقاته، ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله ... ".
لعل ما ضعفه الرازي من قول الزمخشري هو الوجه الأقوى، ونأمل أن يظهر ذلك في الاستعراض الآتي:
" ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ": المتبادر إلى الذهن أنّ المقصود هنا هو القلب المادي الوارد ذكره أيضاً في الحديث الذي أخرجه البخاري:"ألا وإنّ في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". ويؤيد هذا ما ورد في القرآن الكريم من إشارة إلى وجود أكثر من قلب يتعلق بالإدراك، انظر قوله تعالى في الآية 4 من سورة التحريم:" إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا"، فالمخاطب هنا مثنى والقلوب جمع. وقد جاءت الدراسات العلمية المعاصرة لتجعل هذا الأمر أقرب إلى الفهم.
" ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ": نفي مؤكّد بإدخال (من)، وهذا يعني أنّ الله تعالى لم يجعل لرجل من قلبين بأي صورة من الصور. وهذا يعني، فيما يعني، أنّه سبحانه لم يجعل للإنسان أيضاً ثلاثة قلوب أو أكثر، لأنّ ذلك يتضمن صيغة القلبين المنفيّة.
"ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ": تشير ظواهر النصوص القرآنيّة إلى أنّ أصل الخلق هو آدم عليه السلام، ثم خُلقت منه زوجه. وربما يكون مناسبة الكلام عن الرجل هنا أنّ الحديث في الآية الكريمة هو عن الظِّهار من الزوجات وعن التبني، الذي يجعل غير الابن منسوباً إلى رجل ما.
" ما جَعَلَ الله ": فأصل الخلق والجعل أن يكون للرجل قلب واحد، فإذا وجد رجل بأكثر من قلب فإنّ ذلك شذوذ وخلل وانحراف في الخلق يخل بالوظيفة.
" وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ": هناك انسجام بين سنن الله في الخلق والتكوين وسننه في التشريع؛ فالله سبحانه وتعالى جعل القلب مركزاً يتأثر بوظيفته كل الجسد. وجعل قانون التناسل يقوم على أساس الزوجيّة من أبٍ وأمٍ، ويقوم على هذا الأساس بنيان المجتمع البشري كله، كما هو الأمر في القلب والجسد. فإذا كانت هذه من قوانين الخلق والتكوين، فمن المتوقّع أن تكون منسجمة مع سنن التشريع، لأنّ الذي خلق هو الذي أنزل وشرّع.
" ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ": أما مزاعم البشر في جعل الزوجات أمهات، وفي جعل غير المولود بيولوجياً ابناً، فلا تزيد عن كونها ألفاظاً تخرج من الأفواه، تخالف الواقع وتناقض القانون وتبذر بذور الفساد والتحلل.
" وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ": أما خالق السنن التكوينيّة ومنزل السنن التشريعيّة فهو الذي يقول الحق ويبين الطريق المؤدي إلى الانسجام وتحقيق حكمة الخلق والتشريع.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[09 Feb 2009, 06:42 م]ـ
هذا مثال آخر للخطأ في تفسير القرآن الكريم.
وذلك أن من قواعد التفسير أن يفسر القرآن على معهود الأميين في الخطاب،وهم العرب الأقحاح، ومن أصول معهودهم في الخطاب: مراعاة السباق واللحاق أوفهم الكلام في سياقه.
والآية الكريمة واضحة المعنى بقراءتها كاملة وهو أن الله ضرب مثلا، فكما لا يمكن أن يكون لرجل قلبان، فكذا لا يمكن أن تكون زوجة المظاهر كأمه لأنه لا يمكن أن يكون له أمّان.
وليس من المراعى في الآية لفظ رجل دون امرأة، لأن المقصود أن هذا الأمر لا يكون لأحد من البشر أبدا.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[09 Feb 2009, 07:40 م]ـ
الأخ الكريم العبادي
لا أخفيك أنني عجبت من كلامك وقلّبته فلم أدر أين الخطأ في المقال؟!!
كلمة رجل لا تعني بأي حال الرجل والمرأة. أما كلمة إنسان أو شخص أو فرد ... فواضح أنها لا تخص ذكر دون الأنثى.
من هنا كان لابد من الوقوف عند قوله تعالى (لرجل) وكان لا بد من مراعاة السياق.
¥