تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} .. وبدأت أقفال الكفر تتحلل .. وبدأ ظلام الشرك ينجلي، وبدأت أمطار الهداية بالنزول، وبدأ القرآن يجاوبني على كل الأسئلة والاستفسارات التي تدور في نفسي، وبدأت أقول لنفسي: من هذا الذي يتحداني؟ ومن هذا الذي عنده القدرة ليتكلم في ملكوت الأرض والسماوات بكل هذه الثقة والتحدي؟ فجاءني الجواب من أعماق قلبي .. إنه الله جل جلاله ..

يقول: تعمقت أكثر وأكثر، وكلما خطر ببالي سؤال محير وجدت عنده الجواب الشافي، فلم أملك إلا أن اسلم وأعلن إسلامي .. وسرعان ما انطلق من كان قسيساً وعدواً لدوداً في يومٍ من الأيام .. ليكون داعية موفقاً من أنجح الدعاة إلى الله .. فأسلم على يديه في سنوات قليله عشرات الآلاف من النصارى والأمريكان في كل مكان، وكان أشد ما أغاض عباد الصليب الأمريكان وجعلهم يتطاولون على القرآن، ما عبر عنه هذا الداعية الموفق بقوله: أقسم بالله لما جاءت قواتهم إلى جزيرتنا لتحرير الكويت لم يرجعوا إلا وقد أسلم منهم أكثر من سبعة وعشرين ألفاً، ولا زلنا نمدهم بعشرات الآلاف من المصاحف والكتيبات، ولا زلت أستلم منهم يومياً عشرات الرسائل والاستفسارات وأرد عليهم

فدعهم يعضوا على صُم الحَصَى كمداً ... من مات من غيظه فزرعه حصدا

{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}

إنه القرآن الذي صنع خير أمةٍ أخرجت للناس .. القرآن الذي نزل والعرب في أوج قوتهم البيانية والبلاغية شعرا ونثرا، فتحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، فخفض التحدي: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} فعجزوا، فخفض التحدي أكثر وأكثر: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فلم يستطيعوا، فنادى عليهم بالعجز إلى قيام الساعة: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

القرآن الذي خلع أفئدة الكفار، وألقى الهيبة في قلوبهم، فهذا جبير بن مطعم رضي الله عنه قبل إسلامه وكان من أكابر قريش .. فلما أُخذ في أسرى بدر وربِط في المسجد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ} قال: (كاد قلبي أن يطير، وكان ذك أول ما دخل من الإيمان في قلبي). بل إن أكابر مشركي مكة لم يملكوا أنفسهم حين سمعوا قول الله: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}، لم يملكوا أنفسهم فسجدوا، لقد أرغمتهم هيبة القرآن على السجود. وحتى إن فصحاءهم وكبراءهم لم يستطيعوا إخفاء إعجابهم بالقرآن، حتى قال كبيرهم الوليد بن المغيرة: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ووالله ما يقول هذا بشر". حتى الأعراب الأقحاح أهل الصحراء القاحلة،وذوي الطباع القاسية .. رضخوا لفصاحة القرآن وبلاغته وقوة أسلوبه، حتى إن أعرابياً حين سمع قول الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قال: سجدت لفصاحتها، وسمع آخر قول الله: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} قال: أشهد أن مخلوقًا لا يقدر على مثل هذا الكلام.

وحتى أصحاب الأديان الأخرى من الذين أراد الله بهم خيرًا كانوا يتأثرون عند سماعه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}. ثم في النهاية يسلمون: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}. الله أكبر، يا عباد الله .. إنه القرآن! الذي أدهش العقول، وأبكى العيون، وأحيا القلوب، وطأطأت له رؤوس أهل الكفر؛ بل لقد أدهش الجنَّ وحرَّك ألبابهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ *

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير