["واو" تكتب بماء العيون.]
ـ[سالم عامر الشهري]ــــــــ[12 Oct 2010, 08:55 ص]ـ
عندما يعوم الإنسان في بحر الذنوب،
ويعلم تقصيره وتفريطه، وحاجته إلى ربه ومولاه،
وسعة رحمته وفضله وإحسانه وعطاياه،
فإنه يكون كالغريق يبحث عن القشة ليتعلق بها فينجو،
كذلك من علم تقصيره، ورأى عجزه وتضييعه،
يكون كهذا الغريق يبحث عما يتعلق به،
ولا يرى أنه على خطر من ذنوبه،
ولا يرى حقارته ويسيء ظنه بنفسه، إلا
من وهبه الله قلباً حياً، وذهناً ثاقباً،
وصدق ابن مسعود رضي الله عنه القال: إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل العظيم يخشى أن يسقط عليه،
ولما يرى الإنسان هذه الإساءة من نفسه،
والتقصير والتفريط من ذاته،
يبحث في كتاب ربه عما يمكن أن يندرج تحته من آيات الرحمة،
وعلامات الفضل من ربه،
وهذا ما حمل بعض العلماء –في نظري- على أن يقولوا: "إن أرجى آية في كتاب الله هي كذا، أو كذا .. "
قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن، فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآية (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله عند قول الله عز وجل: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال: وقال القرطبي أيضاً: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى أية في كتاب الله. ثم قال بعد هذا: قال بعض العلماء، هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ. وقيل: أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} [الأحزاب:47] وقد قال تعالى في آية أخر {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} [الشورى:22] فشرح الفضل الكبير في هذه الاية، وبشر به المؤمنين في تلك.
ومن آيات الرجاء قوله تعالى {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} [الزمر:53] الآية. وقوله تعالى: {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى:19] وقال بعضهم: أرجى آية في كتاب الله عز وجل {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى:5] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. انتهى كلام القرطبي.
وقال بعض أهل العلم: أرجى آية في كتاب الله عز وجل، آية الدين: وهي أطول آية في القرآن العظيمن وقد أوضح الله تبارك وتعالى فيها الطرق الكفيلة بصانة الدَّينِ من الضياع، ولو كان الدَّينُ حقيراً كما يدل عليه قوله تعالى فيها: {وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ} الآية [البقرة:282] قالوا هذا من المحافظة في آية الدين على صيانة مال المسلم، وعدم ضياعه، ولو يدل على العناية التامة بمصالح المسلم، وذلك يدل على ان اللطيف الخبير لا يضيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول، وشدة حاجته إلى ربه.
قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له: من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 32 - 35].
قد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب، دليل على أن الله اصطفاها في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32] وبين أنهم ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه، وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضاً فهو الذي قال الله في فيه {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102].
والثاني: المقتصد وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
والثالث: السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف المعياد في قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:33] إلى قوله: {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] والواو في يدخلونها شاملة للظالم، والمقتصد والسابق على التحقيق. ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الاية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متصلاً بها {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] إلى قوله: {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر:37]. أ. هـ. رحمه الله.
فنسأل الله أن يمنحنا قلوباً واعية، وآذاناً صاغية، وأن يرزقنا تدبر كتابه والعمل بما ينفعنا.
¥