[فائدة عن ابن كثير في غير مظنتها في سبب نزول: (هذان خصمان)]
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[30 Sep 2010, 08:09 ص]ـ
من المسائل التي يتداولها المصنفون في علوم القرآن: تمييز المكي من المدني جملةً أو على سبيل التفصيل فيما وقع في بعض السور من استثناءات.
ومن ذلك: اختلافهم في سورة الحج، هل مكية أم مدنية أم أنها مكية وفيها بعض الآيات المدنية؟ هي أقوال ثلاثة، ولستُ هنا بصدد تحرير القول في هذه المسألة ـ وإن كنتُ أميل إلى مكيتها مطلقاً ـ.
ومن مرجحات القول الثاني ـ وهي أنها مكية وفيها آيات مدنية ـ ما ذكره ابن كثير: في تفسيره حيث قال:
"ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر: أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه, وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر, لفظ البخاري عند تفسيرها.
ثم قال البخاري: حدثنا حجاج بن المنهال, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي, حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة, قال قيس: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، انفرد به البخاري.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب, فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم, فنحن أولى بالله منكم, وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء, فنحن أولى بالله منكم, فأفلج الله الإسلام على من ناوأه, وأنزل {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وكذا روى العوفي عن ابن عباس.
وقال شعبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: مصدق ومكذب وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث, وقال في رواية هو وعطاء في هذه الآية: هم المؤمنون والكافرون.
وقال عكرمة: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هي الجنة والنار, قالت النار: اجعلني للعقوبة, وقالت الجنة: اجعلني للرحمة.
وقولُ مجاهد وعطاء: إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها, وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها, فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل, والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل, وهذا اختيار ابن جرير, وهو حسن, ولهذا قال {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} أي فصلت لهم مقطعات من النار ... الخ كلامه: ".
وقد وقفتُ اليوم ـ وأنا في درس مع بعض الإخوة في كتابه "الفصول في سيرة الرسول ج " ـ على عبارة له تلتقي مع اختياره هذا، وهي في رأيي أجود من عبارته في تفسيره، فإنه قال ـ بعد ذكر الآية الكريمة ـ:
"ولا شك أن هذه الآية في سورة الحج، وهي مكية، ووقعةُ بدر بَعْدَ ذلك، إلا أن برازهم من أولى ما دخل في معنى هذه الآية" انتهى كلامه:.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Sep 2010, 08:59 ص]ـ
أحسنت يا أبا عبدالله جزاك الله خيراً.
ولذلك فإن المؤلفين المشهورين المكثرين من أمثال ابن جرير وابن كثير وابن تيمية وابن القيم والشاطبي وغيرهم يجب على طالب العلم الجاد والحريص على فهم كلامهم المشكل خصوصاً أن يستوعب قراءة مؤلفاتهم كلها، فإنه يجد في بعضها شرحاً لما في الآخر، وحتى المحققين لكتب هؤلاء، وهذا من فوائد دراسة العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين فإنه يوجد في كلام المؤلفين منه الكثير، وكثيراً ما يقيد المؤلف عبارته المطلقة في موضع آخر من مؤلفاته، أو يخصص عموم بعض عباراته، أو يزيد بعضها شرحاً وبياناً كما هنا.
وتزيد فائدة مثل هذا العمل إذا قدرنا على ترتيب مؤلفاته تاريخياً حتى يعلم المتقدم والمتأخر من كلامه، وهذا نافع في التفسير وفي غيره من أبواب العلم.
وأذكر أنني قرأتُ كلاماً جَميلاً في هذا في جانب النقد الأدبي أشار إليه عبدالله الطيب رحمه الله وغيره.