[فضل العربية على غيرها (دراسة وصفية)]
ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[07 Oct 2010, 11:37 م]ـ
فضل العربية على غيرها
(دراسة وصفية)
هذا موضوع تفرّع من محاورة عن فائدة تعلم العربية لساناً للحياة قائمة بحاجة البيان.
ونُشر بعد تنقيح على حلقات في " مجلة الرقيم ".
وفي البدء أقول: إن من أدقّ مآخذ العلوم هو النظر في الفروق، وإن من أصعب الفروق هي الفروق اللغوية، فقد يتسر للباحث أمر فروق اللغة الواحدة التي تتجلى في اللهجات وطرائق الأداء، على تعقده وتشعبه، ولكن أمر الفروق بين اللغات أمر لا يقاس بصعوبته الفروق اللهجية، وذلك لاختلاف الأمكنة والأزمنة والألسنة وطرق البحث عنها وفيها ووفرة المأثور من مادتها اختلافاً أبعد مما يكون بين لهجات اللغة الواحدة.
وقد يرى بعض الناس أن الألسنة سَواسية، لا فرق بين عربي منها وأعجمي، وأن الأيام بينها دول، وأنها بين إقبال وإدبار، وبلوغ ذروة واندثار، وأن لكل زمان لساناً، أو لكل لسان زماناً، وأن لسان العربية قد أفل نجمه، وبزغ نجم " الألسنة العصرية! ": الإنجليزية والفرنسية والصينية؛ فتلك عنده هي ألسنة العلوم والمخترعات.
وقد ذكر الله تعالى اختلاف ألسنة العالمين في معرض الامتنان فقال: (واختلاف ألسنتكم) الروم 22، ومن طبائع الاختلاف التفاضل، فلا اختلاف مع تماثل، ومن طبائع التفاضل أن يكون هناك فاضل نعرف له فضله الذي قدّمه، وبعده مفضول لا ينقص من فضله ولا يبخس، لكن مفضوليته لا تلغي أفضلية غيره.
وإظهار فضل العربية على غيرها يكون ببيان قدرها الزائد إن كان وشرح مذهبها وكشف أوجه اقتدارها على الإبانة الإنسانية عن المراد ... وليس بإنشاء كلام بعيد عن واقع الأمر.
فهل نستطيع أن نثبت مزية للعربية في ذلك على غيرها من الألسنة؟، وهل في قوانين اللسان العربي ما يظهر مزيته على غيره إذا ما قُرن النظير بنظيره؟.ليكون في ذلك إشعار بأفضلية، لا تخطر ببال من يحقر ما هو عظيم في نفسه.
قد يكابر من يكابر إذا عرضت عليه الأدلة النقلية في فضل العربية على غيرها، ويرى أن هذا التفضيل ما هو إلا تحكّم لا دليل معتبر عليه، وأنه نابع من هوى الإنسان وراء أشيائه، وصادر من إعجابه بأمره وتعصبه لهويّته، وأن كل متكلم قادر على أن يقيم من الأدلة على قوة منطقه وبراعة كلامه وصلابة قناته ما قد يفوق به بلاغة كل بليغ ويكسر به يراعة كل كاتب؛ ومن ذا الذي لا يحب لغته ويفضلها ويناضل عنها؟، ومن ذا الذي يرضى الطعن في أخص خصائص هُوِيّته وقوميته؟.
إن تلك المكابرة تدفع إلى تعزيز النقل الصحيح بمقتضى حكم العقل الصريح والنظر الفسيح، وتأييد النقل بالعقل أو هذا بذاك مذهب شريف ومبدأ نبيل ومأخذ مفيد، ولا سيما مع توافر أسباب النظر والموازنة والتفضيل.
ومن أجل ذلك كان هذا البحث في أوجه تفضيل هذا اللسان العربي على غيره، بحثاً مؤيداً بأدلة مأخوذة من اللسان العربي نفسه، مقيسة بنظائرها في الألسنة الأخرى ..
وقسمتُ الكلام عليه إلى أربعة أنحاء (ويسميها بعضهم: مستويات)، ودرست كلّ نحو منها على جهة مستقلة، وهذه الأنحاء الأربعة هي:
(1) نحو الصوت. (2) نحو الكلمة. (3) نحو الجملة. (4) نحو الكلام.
والأنحاء الثلاثة الأولى منها لا تتطابق في كل الألسنة بالاتفاق، إلا في شيء دون شيء، ومن أجل اختلافها كانت الترجمة بين الألسنة، أما النحو الرابع: نحو المعنى، فهو الغاية والمقصد؟.
والنحْويّ الحقّ (هنا في هذا البحث) هو الذي فَقِه هذه الأنحاء الأربعة معاً، ونحا فيها نحواً قاصداً وبلغ فيها مبلغاً راشداً، ولم يكتف منها ببعض دون بعض، فكأنه، وهو يستقرئ قوانين اللسان، لا تغيب عنه صورة "العربيّ" في جزيرته، وهو يبلغ من سامعه كل مبلغ. وهو نظير اللساني في الدراسات الحديثة. واللغوي هو الناقل لكلام العرب المتضمن لهذه الأنحاء ضرورة. وتخصيص لقب النحويّ بالناظر في " نحو الجملة " و" نحو الكلمة " تخصيص اصطلاحي متأخر.ألا ترى أن كتاب سيبويه لم يخل من تلك الأنحاء جميعاً؟. وقول الإمام عليّ: "انحُ هذا النحو " .. شاهد على أن ذلك المسلك من البحث المتخصص إنما كان على ذلك النحو حين دعت إليه الحاجة في ذلك الحين. وذلك المسلك لا ينفي بقية الأنحاء، التي توالى ظهورها مع التاريخ اللساني العربي المواكب لحاجة الناطقين؛
¥