من سنن الله تعالى في الذين خلوا من قبل؛ أن من يفسق عن أمر ربه، ويتنكب الصراط الذي شرعه له ينزل عن مرتبة الإنسان ويلتحق بعجماوات الحيوان،وسنة الله تعالى واحدة، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية. " [5] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5)
قلت: ما احتج به الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى، من أنه لو أن أولئك مسخوا قردة حقيقيين لمسخ كلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ في الوقت الحاضر، (((لأن سنة الله تعالى واحدة، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية))) غير لازم قال ابن القيم: "وتأمل حكمته تعالى في مسخ من مسخ من الأمم في صور مختلفة مناسبة لتلك الجرائم؛ فإنها لما مسخت قلوبهم وصارت على قلوب تلك الحيوانات وطباعها؛ اقتضت الحكمة البالغة أن جعلت صورهم على صورها، لتتم المناسبة ويكمل الشبه، وهذا غاية الحكمة.
واعتبر هذا بمن مسخوا قردة وخنازير، كيف غلبت عليهم صفات هذه الحيوانات وأخلاقها وأعمالها! ثم إن كنت من المتوسمين فاقرأ هذه النسخة من وجوه أشباههم ونظرائهم، كيف تراها بادية عليها؟ وإن كانت مستورة بصورة الإنسانية فاقرأ نسخة القردة من صور أهل المكر والخديعة والفسق؛ الذين لا عقول لهم، بل هم أخف الناس عقولا وأعظمهم مكرا وخداعا وفسقا!
فإن لم تقرأ نسخة القردة من وجوههم فلست من المتوسمين، واقرأ نسخة الخنازير من صور أشباههم ... وهي تظهر وتخفى بحسب خنزيرية القلب وخبثه؛ فإن الخنزير أخبث الحيوانات وأردؤها طباعا ومن خاصيته أنه يدع الطيبات فلا يأكلها ويقوم الإنسان عن رجيعه فيبادر إليه". [6] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6)
وقال الدكتور فهد الرومي:" ولا أظن هذا الذي قاله الشيخ رشيد رضا إلا زلة قلم، في أمر واضح بين؛ فليس هذا العقاب هو الوحيد من نوعه في الأمم السابقة؛ عذبت أمة بالطوفان، وعذبت أخرى بالصيحة، وعذبت ثالثة بحجارة من سجيل، وعذب آخرون بالخسف وبالجراد وبالقمل والضفادع، وغير ذلك، والعصاة يعلمون بالمشاهدة أن الله لا يعذب كل عاص بهذا العذاب، فهل يعد هذا مبطلا لحقيقة هذه العقوبات أو مبررا لتأويلها، بل تحريفها عن معانيها، لمجرد كونهم لا يرونها سنة من سنن الله في العصاة. " [7] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7)
المثال الثالث: رأيه في التفسير بالمأثور
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى:" وغرضنا من هذا كله أن أكثر ما روي في التفسير بالمأثور أو كثيره حجاب على القرآن، وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية المزكية للأنفس، المنورة للعقول، فالمفضلون للتفسير بالمأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سندا ولا موضوعا."
قلت: اللهم عفوك، كيف يكون ما جاء عن السلف من الصحابة والتابعين، حجابا على القرآن، وشاغلا لتاليه، أليس أولئك هم الذين عايشوا التنزيل، وقرأو ا القرآن غضا طريا على النبي صل1، فكانوا يسألونه عما غمض عليهم فهمه، أليس أولئك هم أهل اللسان العربي، قبل أن تخالطه العجمة التي طَمَّتْ على ألسنتنا وأفهامنا. ثم كيف يقول الشيخ رشيد رضا عفا الله عنه:" بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سندا ولا موضوعا." هذا السند قد نسلم به؛ لاحتمال الضعف، مع أن العلماء قد حققوا ذلك وبينوا الضعيف الواهي من غيره، لكن يعارض الأستاذ رحمه الله على الثانية أكثر وهي نفي القيمة موضوعا مع صحة السند، وهذا من مخلفات تبجيل العقل على النص.
ولعلي أكتفي بهذا القدر، والله الموفق للصواب.
[1] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref1) الأنفال الآية 9
[2] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref2) تفسير المنار 9/ 566 - 567
[3] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3)2/735-736
[4] (http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4) البقرة الآية 65
[5] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref5) تفسير المنار 1/ 344
[6] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref6) مفتاح دار السعادة (2/ 179 - 180).
[7] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref7) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 2/ 737