أما ما آخره نونُ النسوةِ، فوجهُ القياسِ أن يَّقولوا فيه: (يذهبُنَ، لن يذهبَن، لم يذهبْن) فيعربوه بالحركاتِ؛ فاستثقلوا ذلكَ، فسكَّنوا ما قبلَ النونِ
أما الثقل الناشئ من إسناد المضارع إلى نون النسوة فلا أراه مانعا قويا من إعراب الفعل بالحركات مالم يكن هناك سبب آخر للبناء لا سيما أن ثمة نظيرا لفظيا لكل حالة من الحالات الإعرابية الثلاث لو أن الفعل أعرب بالحركات، فنظير الرفع المفترض (يَضْرِبُنَ يَضْرِبُنا) ونظير النصب (لن يَضْرِبَنَ لن يَضْرِبَنا)، ونظير الجزم (لم يَضْرِبْنَ لم يَضْرِبْنا) فإذا كان سبب البناء هو الثقل وحده فلماذا لم تستثقل هذه النظائر اللفظية؟ بصرف النظر عن كون النون ضميرَ رفع و (نا) ضمير نصب؛ لأن هذا الفرق لا يؤثر في النطق الذي هو محل الاستثقال!!
ثم إني أستأنس بهذا النقل الذي يوافق ما ذكرتُه في مشاركتي السابقة حيث قلتُ:
ولما تعذر أن يجري على المضارع المسند إلى نون النسوة حكم المضارع المسند إلى ألف الاثنين وأختيها بنته العرب على السكون لمشابهته الماضي المسند إلى ضمير رفع متحرك مثل: ذهبْتُ، ذهبْنا، فالتاء و (نا) ضميرا رفع صحيحان متحركان متصلان بلام الفعل، ونون النسوة ضمير رفع صحيح متحرك متصل بلام الفعل، ولهذه المشابهة بني المضارع على السكون إذا أسند إلى نون النسوة.
يقول سيبويه في الكتاب:
"وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحقت للعلامة نوناً وكانت علامة الإضمار والجمع فيمن قال أكلوني البراغيث وأسكنت ما كان في الواحد حرف الإعراب كما فعلت ذلك في فعلَ حين قلت فعلْتُ وفعلْنَ فأسكن هذا ههنا وبني على هذه العلامة كما أسكن فعل لأنه فعل كما أنه فعل وهو متحرك كما أنه متحرك فليس هذا بأبعد فيها - إذا كانت هي وفعل شيئاً واحداً - مِن يفعل إذ جاز لهم فيها الأعراب حين ضارعت الأسماء وليست باسم وذلك قولك: هن يفعلن ولن يفعلن ولم يفعلن ".
ويقول العكبري في اللباب في علل البناء والإعراب:
" ... والثَّاني نونُ جماعةِ المؤنث نحو يَضْرِبْنَ لأنَّ هذه النون أوجبت تسكينَ الحرفِ الأخير في الماضي فوجبَ إسكانُه في المضارع وإنما كان ذلك لأمرين.
أحدهما أنَّ الماضيَ سُكِّن لئلاّ تتوالى أربعُ حركاتٍ وكذلك هو في المضارعِ وسكونُ الثَّاني عارضٌ لا يعتدُّ به وإن السّاكنَ غيرُ حَصِين وحَرْفُ المضارعة متحرِّكٌ وهو من نَفْسِ الفعلِ وإنَّ زيادة الحرفِ نابَ مَنابَ الحركة.
والثَّاني أنَّه أشْبَه الماضي في أنَّ حُروفَه باقيةٌ فيه وأنَّ أحدَهما يقعُ موقعَ الآخرِ فحمْلُه عليه في البناء أقْرَبُ من حَمْل الفعلِ على الاسم في الإعراب".
وتقبلوا أزكى تحياتي.
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[05 - 09 - 2007, 09:58 ص]ـ
أخوي الكريمين، بارك الله فيكم، إن العلل، كالنكت البلاغية لا تتزاحم، وقد سئل الخليل-رحمه الله- عن العلل التي يتعلل بها في قوانين العربية وسنن العرب في كلامها، فأجاب بما علمتم من ذلك إنما هي علل ظهرت له هو، فمن رآها فليأخذ بها ومن رأى غيرها، فله ذلك، أو قال كلاما هذا معناه ولا يحضرني لفظه الساعة، ولا شك في ان هذا الكلام موجه إلى من يملك النظر، فهو أهل لذلك، من أمثالكم، لا إلى كل من هب ودب وسب. فلأمر في التعليل واسع والخطب جلل، فليتحفنا كل منكم بما عنده، وإن كنت أحب أن نبدأ بما عند القوم في كتبهم، كما فعل الأستاذ علي في مشاركته الأخيرة ثم نبدي ما يعنّ لنا من ذلك، من صياغتنا، كما يفعل شيخنا الحجة صاحب الفضل في هذا الموضوع وغيره.
وأقول للكرام الذين لا يرون فائدة ولا يرجون عائدة من هذا الضرب في النظر والتفكير: إنه روي عن الخليل أيضا أن أحدا لن يتعلم في النحو كل ما يحتاج إليه حتى يتعلم بعض ما لا يحتاج إليه. فما بالنا نضيق ببعض ما يحتاج إليه؟!
ـ[أبو شمس]ــــــــ[07 - 09 - 2007, 06:15 م]ـ
السلام عليكم: الأمروغيره من الأفعال يبنى على السكون مع نون النسوة سواء أكان ما قبلها صحيحا أم معتلا: اذهبن / اسعين / اجرين / اسمون؛ فلا داعي للحذف، وإلا فأخبرني: لمَ تحذف العلة في غيرها مثل: اسع أيها الرجل؟ إذا أخبرتني لماذا حذفت هنا أخبرتك لماذا لم تحذف هناك.
ـ[أبو قصي]ــــــــ[07 - 09 - 2007, 07:24 م]ـ
¥