أبتدئ بالردّ على أخي أبي شمسٍ - وليعذِرني المتقدِّمونَ -؛ فأقولُ: إنما حذفوها من (اسعَ أيها الرجل) لأنه فرعٌ من (لم يسعَ) المجزومِ، وعاملُ الجزمِ عاملُ سلبٍ؛ فلما لم يمكنهم أن يحذفوا حركته؛ إذ هي محذوفةٌ للتقديرِ أو الاستثقالِ حذفوا آخرَه.
الحجة
ـ[أبو قصي]ــــــــ[08 - 09 - 2007, 02:22 ص]ـ
أحيّي صاحبي الفهِمَ الندِسَ عليًّا المعشي، وأنبّئُه أني به قريرُ العينِ، منشرحُ الصدرِ. وأشكرُ له ولأخي الدكتور سليمانَ – حفظه الله – صبرَهما عليَّ، وإحسانَهما إليَّ بمشاركاتِهم.
أما ما ذكره أخي عليٌّ – نفعَ الله به – فكلمةٌ طيبةٌ. وهذه بعضُ ما لديَّ من القولِ:
1 - أما المفاضلة بين علة (الاستثقالِ)، وعلةِ (قياسِ الشبه) فإنِّي أرى أن علةَ الاستثقالِ أولى بالنظرِ، وأحقّ بالالتفاتِ، والعربُ يعتدونَ بها كثيرًا كثيرًا. وعلةُ قياسِ الشبهِ أضعفُ وأدنى منزلةً؛ وذلك أن الشيءَ لا يعرَى من أن يُّشبهَ غيرَه من وجوهٍ عدةٍ؛ فلو أنا أخذنا بالعملِ به متى وُجِدَ لم نجد قياسًا نرجعُ إليه، ولا أصلاً نعوِّلُ عليه. ثم إنَّ علةَ الاستقالِ لا تكادُ تخفَى على إنسانٍ؛ إذ الناسَ لا تتفاضلُ في إدراكِها. أما علةُ قياسِ الشبهِ فليسَ لها حدُّ ثابتٌ؛ ألا ترى أنك ربما رأيتَ إنسانًا فشبهتَه بآخرَ تعرفُه؛ فإذا عرضتَ هذا على غيرِك دفعَه، وقالِ: كلا؛ ليس يشبهه , وذلك أن وجوه الشبه لا تُحصرُ.
2 - وعلةُ الاستثقالِ غيرُ علةِ الاستخفافِ؛ إذ الأولى فيها ثِقلٌ على اللسانِ، وعسرٌ في النطقِ، والثانيةُ ليس فيها ذلك؛ ولكنها تحتاجُ إلى زَيدِ تخفيفٍ (من بابِ الترفِ)؛ فأما علةُ الاستثقالُ فعلةٌ غيرُ اعتباطيةٍ، وأما علةُ الاستثقالِ فعلةٌ اعتباطية؛ فالأولى تقبلُ القياسَ متى سُمِع لها سماعٌ، والتزمَ بها العربُ متى ما عرضَت لهم. والثانية لا تقبلُ القياسَ، إلا بشروطٍ ليسَ هذا موضعَ ذكرِها.
3 - من طريقِ السبرِ تحصَّل لنا أن العدولَ عن البناءِ إلى الإعراب إما أن يكونَ للاستثقالِ، وإما أن يكون لقياسِ الشبه؛ فإذا ثبت لنا الاستثقالُ، فهو أحقُّ. ومتى نفيناه بقيَ لنا قياسُ الشبهِ؛ فلئن نفينا علةَ الاستثقالِ، لَعلةُ قياسُ الشبهِ أولى بالنفي. وما ذكرتَ من ضعفِ الاستثقالِ، وأنه لا يقوى على صرفِ الكلمة من الإعرابِ إلى البناءِ لازمٌ لكَ في قياسِ الشبه؛ فإنه أضعفُ. ولو سلمنا تساويهما فحالهما واحدة.
4 - ثم إني ذكرتُ أنهم حاولوا إعرابَ المضارع بالحركاتِ؛ فلما لم يتأتَّ لهم طرقوا بابَ الإعرابِ بالحروفِ، فردَّهم كما كان الحطيئةُ يردُّ أضيافَه، فلم يجدوا إلا البناءَ، وربما اضطُرَّ الحرُّ الكريمُ إلى ما لا يُحبُّ لضيقِ العيشِ، وكلَب الزمانِ.
فكائنْ رأينا من أناسٍ ذوي غنًى ** وجِدّةِ عيشٍ أصبحوا قد تبدَّلوا
5 - أما ما ذكرتَ من نحو (لتبعثنّ) فإنما لم يبنوه لأنه أصله (تبعثوننَّ) فهو معرَب بالحروفِ، حُذفت النونُ نونُ الرفع استثقالاً؛ على خلاف (يذهبْن) و (يذهبنّ)؛ فلو أنهم أرادوا بناءه لقالوا: مبنيّ على حذفِ النونِ. فيكون لا نظيرَ له. ولو أنا لم نعتدَّ بقانونِ عدمِ النظيرِ لكان ثمَّ مانعٌ من البناءِ؛ وهو أنه لا تتركبُ ثلاثُ كلماتٍ؛ فتجعل كالكلمةِ الواحدةِ. ومتى اجتمعَ المقتضي والمانع قُدّم المانع.
6 - مما يقوي الاستثقالَ كثرة الاستعمالِ؛ فتكون العلةُ مركبة، لا بسيطة. ومثالُها (رضُوا) أصلها (رضِيُوا) وليس فيها استثقال شديد، ومع ذلك حذفوا الياءَ لكثرة الاستعمالِ. ثم لو كان الأمر كما قلتَ في أنَّ من الأسماء ما فيه علةُ الاستثقالِ بينةً، ويكثُر استعمالُها، ولا مانعَ لها من وجودِ الحكمِ، ومع ذلك لم يرفعوها. لو كان الأمرُ كذلك فإنه لا ينفي علة المسئلةِ، ولا يدفعُها متى ما تُيقّن منها، وعُلِم بطريقِ السبر والتقسيمِ، ووجِدت الإخالةُ فيها؛ إذ اللغةُ تواضعٌ؛ ولئن كان فريقٌ منها موافقًا للعقلِ، مؤتلِفًا وإياهُ، مصيبًا أهواءَ النفوسِ ومآربَها، فإن فيها ما هو جارٍ على الفطرةِ الإنسانيةِ، كعلةِ التوهُّم.
7 - أما ما دفعتَ به علةَ الاستثقالِ من نحو (يضربُنا) فأنا لا أجد فيها استثقالاً لمكانِ الألفِ منها؛ كأنها خفّفت ثقلَ توالي الحروفِ الصوامتِ. وقارِنْ بينهما. ورأيي أنه لو لم يكن ماضٍ لكانت هذه الكلمة (يذهبْن) مستحقةً البناءَ لثقلها. ومتى وجِد الحكم ولا علة تبين فسادُها. وقد ذكرتُ هذا قبلُ.
8 - ذكرتُ قبلُ اعتراضًا على قياسِ الشبه بقولي: (أن الماضيَ من (يذهبون) مبنيٌّ، ومعَ ذلك نجدُ المضارعَ معربًا، لم يحملوه عليه. وذاك لضعفِ المقيسِ عليه؛ وهوَ الفعلُ الماضي، خلافًا للحرفِ؛ فإنه يُحمل عليه بالشبهِ؛ فيبنَى المحمولُ).
ومع ذلك كلِّه أرى رأيَك وجيهًا قويًّا؛ ولا سيما وهو رأي سيبويه وغيره.
محبك:
الحجة
¥