أما في أمر التنوين فالأمر ما ذكره أبو الفوارس من أن تنوين التنكير خاص بأسماء الأصوات والأفعال، أما التنوين الذي في نحو: هذا زيد، وهذا رجل، فهو دليل على تمكن الكلمة في قبول الإعراب، وعلى التمام، يعني أن الاسم الذي يدخله هذا التنوين يعرب بالحركات رفعا بالضمة، ونصبا بالفتحة وجرا بالكسرة، وأن التنوين يتمه فلايحتاج إلى إضافة، أو إلى دخول (أل) عليه، فإذا أدخلت عليه (أل) وجب حذف هذا التنوين، وإذا اضفته أيضا وجب حذف التنوين.
وليس التنوين في نحو: هذا رجلٌ للتنكير، ولوكان للتنكير لكان زواله كافيا للتعريف، كما كان زوال التنوين من غاق وصه دالا على تعريفهما.
وإنما التنكير مدلول عليه بالخلو من (أل) والإضافة، والتنكير هو الأصل في الأسماء، ولذلك لم يحتج إلى علامة، والتعريف فرع التنكير ولذلك احتاج إلى علامة، كما أن التذكير أصل فلم تكن له علامة، والتأنيث فرع فاحتاج إلى علامة، وكل هذه الأمور مستخلصة من واقع اللغة.
أما التنوين في نحو جوار وغواش فلا تهم التسمية فيه كثيرا، فحكم جوار حكم قاض تماما، أي أنه منون أي مصروف، وإذا قيل عن اسم إنه منصرف أو مصروف فهو يعني أنه يدخله التنوين، فيدخل التنوين على جوار وغواش كما يدخل على قاض وغاز في الرفع والجر، أما في النصب فينظر إلى نظير المنقوص من الصحيح فإن كان مصروفا صرف المنقوص، فيصرف نحو قاض وغاز في النصب أي يدخله التنوين لأن نظيرهما ضارب ونحوه مصروف، فيقال: رأيت قاضيا بالتنوين، ويمنع جوار من الصرف لأن نظيره من الصحيح نحو ضوارب غير مصروف، فيقال: رأيت جواريَ، بدون تنوين.
لكن هل التنوين الذي في قاض هو بمثابة التنوين في جوار هنا وقع الخلاف، ظاهر كلام سيبويه أن التنوين في جوار عوض عن الياء المحذوفة، بيانه أن الأصل (جواريُ) فحذفت الضمة للاستثقال، ثم حذفت الياء للتخفيف واجتزئ عنها بالكسرة، فلما حذفت الياء خرج الاسم عن صيغة منتهى الجموع وصار خفيفا بعيدا عن مشابهة الفعل فدخله التنوين تشبيها له بالاسم الأمكن، فهذا التنوين ليس تنوين التمكن وإنما هو تنوين العوض، ولكنه لم يكن ليلحق لولا صيرورة الاسم خفيفا بعد حذف الياء، فهو تنوين عوض عن الياء، ودال على أن الاسم صار كالمتمكن الأمكن.
أما التنوين في قاض فلم أجد لسيبويه فيه نصا سوى أنه سوّى بين جوار وبين قاض إذا كان اسم امرأة ولكن الذين فسروا كلامه فرقوا بين تنوين جوار وقاض إذا لم يكن اسم امرأة، فبعد أن بينوا معنى العوض في تنوين جوار كما بينّا قالوا: إن تنوين قاض للتمكن لأن الأصل: قاضيٌ، استثقلت الضمة فحذفت، فالتقت الياء الساكنة بالتنوين فحذفت الياء.
مع التحية الطيبة.
ـ[أبو الفوارس]ــــــــ[29 - 09 - 2008, 12:46 ص]ـ
سلمت يداك أستاذنا وشيخنا الفاضل وجزاك الله خير الجزاء على ما تفضلتَ به من تفصيل مفيد وتحليل بارع.
ـ[حرف]ــــــــ[29 - 09 - 2008, 05:15 ص]ـ
أستاذي د - الأغر: بارك الله فيك ونفع بك وبعلمك.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[29 - 09 - 2008, 02:36 م]ـ
الأستاذ الدكتور أبو أوس الأستاذ أبو الفوارس الأستاذ الكاظمي الأستاذ حرف
أشكركم جميعا على اهتمامكم وأدعو الله أن يوفقكم ويسددكم.
مع التحية الطيبة.
ـ[أبو قصي]ــــــــ[02 - 10 - 2008, 02:23 ص]ـ
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الشافعي رحمه الله قد استعمل هذا الاستعمال عدة مرات في (الرسالة) التي هي أوثق كتاب عربي وصل إلينا كما يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.
قال الشيخ أحمد شاكر:
((وهو جائز فصيح، خلافا لما يظنه أكثر الناس)).
ومن الكلمات التي استعملها الشافعي كلمة (معاني) نفسها، قال:
((والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع)).
كلّ عام وأنت بخير.
تجِد تعليقي على هذا في ردّ كتبته هنا من قبل، ثم زدتُّ عليه:
http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=294
جميلٌ ما تفضلتَ بهِ.
وأنا أقولُ:
أما إثبات الياء وقفًا، فلا إشكالَ فيهِ.
ولكن الإشكالَ في إثباتها وصلاً؛ وذلكَ من وُّجوهٍ:
1 - أنه لم يثبت هذا في ما أعلمُ إلا عن الشافعيِّ رحمه الله. والشافعيّ عند التحقيق، واطّراح الهَوى، والانفتال من المذهب = مردودٌ قولُه بأمورٍ:
¥