2 - أنّ هذا مخالِفٌ لإجماعِ العلماء الذين شهِدوا العربَ، وأخذوا عنهم؛ فلو كانَت هذه لغةً فصيحةً، لأشاروا إليها. بل إنَّهم أنكروا إثبات الياء في نحو (جواري) مع أنه الأصلُ، ومع أنه غيرُ مستثقَلٍ، ومع أنّه قد وردَ في الشعر في موضعٍ يمكنُ تغييرُه من غيرِ أن يُخِلَّ بوزن البيتِ، ولا بألفاظهِ، كما في قوله:
* أَبيتُ على معاريَ واضحاتٍ *
فكيف الحالُ في نحو (والي).
وأنت جعلتَ كلامَك على المنقوص الموازن لمنتهى الجموع.
وإنما أحلت على هذا الرابط، لما فيه من الكلام على الاحتجاج بالشافعيِّ.
فعلى هذا تبطل الفقرة ذات الرقم (1)، و (2) من ردّك.
وأيضًا فالفقرة ذات الرقم (4) مبنيَّة على فهمٍ غيرِ صوابٍ لكلامي؛ فلعلك تنظرُ في تمام الكلام.
أمَّا ذات الرقم (5)، فقد ظننتني أريدُ بهذه الحجةِ الردَّ؛ وما ذاك أردتُّ؛ إنما أردتُّ استيفاء الاحتمالات القوية، والضعيفةِ.
أما ذات الرقم (7)، فلم تبين فيها ما الخطأ؟ ولا أدري هل الشواهد على هذا هي عندَك خارجةً عن (العَدِّ)، كرفع الفاعل، ونصب المفعول، والحال، والتمييز!
ثم لم تذكر المذهب الذي ترجحه؛ فهل تقول: إنَّ إجراء الوصل مُجرى الوقف قياسٌ؟
فلا يبقَى بعد هذا إلا الفقرة ذات الرقم (3)، وهي كلام الشافعيّ أحجة هو، أم لا؟
وهذه لم تَردّ عليها أيضًا إلا بأنَّ كثيرًا من العلماء (ذكرتَ أنهم ثلاثون) احتجوا بقوله، أو أقرّوا الاحتجاج بقوله. ولم تذكر هل هؤلاء الثلاثون من علماء النحو؟ وهل هم من المتقدّمين؟ ولم تبين أيضًا التعليلَ للاحتجاج بقوله، ولا رددتَّ على قولي: إنَّه جاء بعد انقضاء عصور الاحتجاج، وخالط في حياته كثيرًا ممن يلحن، وإنه لو جاز لنا أن نحتجّ بقوله لعلمِه، لجاز لنا أن نحتجَّ بكثيرٍ من الناس غيرِهِ! وإذا كان الأصمعي رفض الاحتجاج بذي الرمة مع أعرابيتِه، وسكنه الباديةَ، وكونه قبل الشافعي بنحو قرنٍ من الزمانِ؛ فكيف بالشافعيِّ؟! [تنبيه: رأي الأصمعيّ ليس مسلَّمًا بإطلاق؛ ولكنه يدلّ على مبلغ التحرز في مسألة الاحتجاج].
= هذا كلّه لو كانَ الشافعيُّ قد تكلَّم بهذا قطعًا، مع أنَّ في هذا نظرًا.
أردتُّ بهذا ضبط المسألةِ، وبيان حدود الاختلافِ، ثمَّ بعد هذا يمكننا أن ننظر في هذه المسألة بما تقتضيه من النَّظر.
أبو قصي
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[10 - 10 - 2008, 12:51 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك، وجعلني وإياك ممن يجمعهم في دار كرامته، آمين.
مدارسة ممتعة يا أبا قصي، زادك الله من فضله.
سوف أتكلم الآن عن مسألة الاحتجاج بكلام الإمام الشافعي وما يتعلق بها، وقد كنت أفردتها بمبحث ولكني لا أتفرغ للبحث عنه الآن؛ لأن هذا كان منذ زمن طويل، أكثر من خمس عشرة سنة.
والسؤال المهم الذي أدعوك للتفكر فيه هو: هل العلماء الذين حددوا عصور الاحتجاج أكثر وأولى بالقبول من العلماء الذين احتجوا بالشافعي رحمه الله؟
ولتقريب الجواب نقول: إن مسألة عصر الاحتجاج ليست من الأمور المسلمة التي لا يختلف فيها العلماء، وإنما قالها بعض العلماء المتأخرين تقديرا تقريبيا ثم تبعه من جاء بعده نظريا، وأما الصنيع العملي لأهل العلم في التناول فيختلف عن ذلك.
فهناك من العلماء من رد الاحتجاج بأقوال من هم في عصور الاحتجاج، كالمثال الذي تفضلت بذكره عن الأصمعي الذي كان يتعنت في ذلك أحيانا.
وأبو عمرو بن العلاء لم يكن يحتج بالإسلاميين من الشعراء، وبشار بن برد زعموا أن شعره لا يحتج به مع أنه من أفصح الفصحاء، وزعموا أن الأخفش كان يحتج به اتقاء لشره.
وكان كثير من علماء اللغة يحتجون بكلام الأعراب حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ومنهم الأزهري والجوهري، وهذان صاحبا أشهر كتابين في اللغة التهذيب والصحاح.
أما الذين احتجوا بالإمام الشافعي في اللغة والنحو فهم كثيرون؛ يحضرني منهم: أبو عثمان المازني، وابن هشام صاحب السيرة، وابن بري اللغوي، والإمام أحمد بن حنبل، وأبو منصور الأزهري، وابن الأثير صاحب النهاية، ولا أعلم لهم مخالفا في ذلك.
ومثل الشافعي في هذا الأمر: محمد بن الحسن الشيباني شيخ الشافعي، فقد ذكر غير واحد أيضا أن كلامه لغة يحتج بها.
¥