والذي يناسب القواعد العامة للتركيب اللغوي أن يكون (ما) مبتدأ و (أحسن) فعلا فيه ضمير (ما) و (زيدا) مفعول به، وجملة (أحسن زيدا) خبر المبتدأ.
لكن المعنى الذي تؤديه (شيء أحسن زيدا) مختلف عن (ما أحسن زيدا) فهذا إنشاء وذاك خبر، ولذلك نص سيبويه على أنه تمثيل ولم يتكلم به، وعندما ذكر تقدير الخليل هذا قال: ودخله معنى التعجب، فينبغي أن يعلم أن هذا التقدير لتوجيه الإعراب لا لبيان المعنى المراد من الجملة، فليس معنى (ما أحسن زيدا): شيء أحسن زيدا أو شيء وصف زيدا بالحسن، وإنما المعنى أن حسن زيد قد بلغ مستوى عاليا بحيث صار باعثا للتعجب منه، فالتعجب يلتقي مع التفضيل في أن كل واحد منهما يدل على الزيادة لذلك كان حكم صياغتهما واحدا، وقد أشار إلى ذلك سيبويه.
وليس (زيدا) في الحقيقة مفعولا به بدليل أنه يكون فاعلا في نحو: أحسن بزيد رجلا، مع أن معناه مثل معنى: ما أحسن زيدا، وإنما جاء على صورة المفعول به في ما أفعله وجاء على صورة الفاعل في أفعل به، وليس في الحقيقة مفعولا ولا فاعلا ولكنه أمر اقتضته الصناعة النحوية ليتسق التركيب في سياق الجمل المعروفة الشائعة.
فإذا علم المعرب هذه الأمور أدرك أنه لا ضير في مثل هذا التقدير بشكل عام، أما ما يخص التعجب من صفات الباري عز وجل فينبغي سلوك طريق آخر كما نقول في فعل الأمر فعل دعاء إن كان المخاطب ربنا تبارك وتعالى، كأن يقال في نحو: ما أحلم الله،: الله: متعجب من صفته وجاء لفظ الجلالة على صورة المفعول به، فهو منصوب، أو ما شابه ذلك.
مع التحية الطيبة.
د/ الأغر، إن ما ذكرته الآن يستحق أن ينشر فى أروقة المنتدى كلها؛ كى يتأسى به المعرب، ويعلم أنه فوق كل ذى علم عليم، لقد سبحت معك فى فضاءات العلم الذى ما استوعبته طوال سنوات دراستى، وقد قطعت فى مسائل ندور فى فلكها، نشط ُّمرة ونصيب أخرى ولكن على غير هدى، ما أحوجنا لدروس تبين لنا الفرق بين الوظيفة النحوية والوظيفة الدلالية للتراكيب اللغوية.
أشكركم جميعا وبارك الله فيكم أجمعين.
ـ[محمد عبد العزيز محمد]ــــــــ[28 - 12 - 2007, 11:27 ص]ـ
السلام عليكم: لي رأي بسيط أطرحه على حضراتكم: في كل مايخص التعجب نقول: أسلوب تعجب بمعنى التفضيل، ونعرب، مثلا: ما أكرم زيدا ... بمعنى: زيد أكرم، ثم نعرب الإعراب العادي.
وكذلك: ما أحلم الله ... تعجبية بمعنى الله أحلم ... ونعلم أن هناك شبها تاما بين التفضيل والتعجب، فالتفضيل من: طال .. أطول، وكذلك التعجب، وكان قياس التعجب: أطال. وكما بين الدكتور الأغر والأستاذ مغربي، جملة التعجب تختلف اختلافا كبيرا عن غير التعجبية؛ فمثلا: كرم زيد .. زيد فاعل .. تصير في التعجب مفعولا به، وتصبح فاعلا في الصيغة الأخرى، وكذلك حمد الرجل ربه ... ما أحمد الرجل ... أصبح مفعولا به، والمفعول يجر باللام، تماما كما نفعل في التفضيل: الرجل أحمد لربه.
والله أعلم.
ـ[أبو تمام]ــــــــ[28 - 12 - 2007, 02:29 م]ـ
نفع الله بكم، وتحية للدكتور الأغر على الإيضاح.
أخي أبي حازم لك التحية، قال أبو البركات ابن الأنباري - رحمه الله -:" وأما قولهم لو كان التقدير فيه شيء أحسن زيدا لوجب أن يكون التقدير في قولنا ما أعظم الله شيء أعظم الله والله تعالى عظيم لا يجعل جاعل. قلنا: معنى قولهم شيء أعظم الله أي وصفه بالعظمة كما يقول الرجل إذا سمع الأذان كبرت كبيرا وعظمت عظيما أي وصفته بالكبرياء والعظمة لا صيرته كبيرا عظيما فكذلك هاهنا " الإنصاف مسألة 15.
المعنى المشترك بينهما هو التصيير، وإلا لما مثلت لك، وهو تمثيل المبرد، وابن الأنباري - رحمها الله - فلست بأعلم منها، مع أني لم أمثل به إلا باقتناعي به، لا اتباعا.
والله أعلم