وأعجب من تهجم بعض الإخوة على سيبويه، ولست في مقام المدافع عنه، إنما من باب الغيرة على علمائنا الذين تجاوزوا التخوم ليمهدوا لنا سبل التناول العلمي، فلهم الشكر والتقدير على ما بذلوا ..
ولعل مقام العرفان أولى به من مقام السخط والتهكم .. وأما حكاية العصمة فمن لا يخطىء باستثناء المعصوم عليه صلوات ربي وسلامه، وإذا سلمنا بخطأ عالم فنقطة في بحر الحسنات ولا يجوز أن نتتبع فنسقط ..
القضية أمامنا تأخذ في الاتساع، وأولى بنا جميعا أن ننظر بعين العقل فضلا عن عين الحكمة فيما يخص التعجب من قدرة الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى قادر حكيم، وما أقدره على القدرة
وقد قال سبحانه في محكم التنزيل:
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} التين8
ونعتقد جازمين بما وصف الله به نفسه تعالت قدرته وجل شأنه
ويتبين أنه أحكم الحاكمين، وأقدر القادرين، وقياسا عليه فهو هو كما وصف نفسه دون تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تجسيم، هو الله،
"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "وحسبنا أن نقولها بملء أفواهنا شاعرين بالعظمة تجاه مقولنا ..
ومن هذا الباب نلج إلى سؤال حبيبنا حازم وبيته:
ما أقدر الله ....
هنا وفق منظومتنا النحوية نتحسس أن " ما " تعجبية نكرة تامة بمعنى "شيء " مرفوعه على الابتداء، وما بعدها خبرا عنها، فحين نقول:
ما أجمل الوجه الذي أراه أمامي!!
فإن ذلك يقتضي التعجب بالمعنى الناتج من تركيب ما مع مدخولها أي أفعل التعجب، فما أقدر، ما أحسن، ما أجمل!! كلها تدل على التعجب بل تقتضيه .. وإذا كان هذا هكذا فالتأويل المتبادر إلى تشريح المعنى في البيت المثار هو: شيء أقدر الله!! وأميل إلى رأي أخي أبي حازم في كون الأمر لا ينطبق شرعا ولا عقلا في سحب المعنى إلى الذات الإلهية، وإن كان آخرون يدفعون القضية إلى باب المجاز!
فالمجاز لا يصح إطلاقا هنا إذا كنا نتعامل وفق تنظير نحوي خالص مع ما تقتضيه " ما " من حيث تنكيرها المطلق، فالقول بأن: شيء أقدر الله أن يفعل كذا وكذا! يدخلنا إلى تلمس وسيط بين الله وفعله، وتعالى الله عما نصف ...
وعليه، فإن الأسلم أن نتجرد من القانون النحوي هنا، ونجد لنا خلاصا وفكاكا من أمر تنكير ما، ونتعامل معها كتركيب مجمل يقتضي التعجب وحسب ..
كنت إذا استملحت شيئا قلت: الله، والآن أقول الله الله الله عليك أخى المغربى وما أروع بيانك، لك عرض شيق وبيان أخاذ، شكر الله لك.
السلام عليكم
أخي الصياد، إنك تقول:
وتقول:
فأقول لك:
إذا استقام تعبيرك وتكلمت كما يتكلم العرب الفصحاء التمسنا لك العذر في الرد على النحاة، أما قبل ذلك فليس لك عذر، فأولى لك أن تتعلم لا أن تعترض على العلماء.
إخواني الكرام
توجد في اللغة نصوص لا تخضع للقواعد العامة المستنبطة منها، ولكي تتسق مع هذه القواعد ولا تبدو ناشزة عنها وجهها العلماء توجيها يقربها من هذه القواعد، من ذلك أسلوب النداء، فقد جعلوا الاسم المنادى مفعولا لفعل تقديره أنادي أو أدعو، ولو ذهبت توازن بين: يا زيد، و: أنادي زيدا، لوجدت الفرق بينهما كبيرا، في المعنى وفي اللفظ، فالتقدير هنا لتصحيح الإعراب وليس لبيان المعنى الأصلي للجملة، وكذلك التحذير والإغراء في نحو: أهلك والليل، فالمعنى: عليك أن تصل إلى أهلك قبل حلول الليل، ولكن التقدير الإعرابي يختلف لتوجيه النصب في الاسمين، فقالوا: التقدير: أدرك أهلك واسبق الليل أو: وسابق الليل ..
ومثل هذا أسلوب التعجب بفعليه: ما أفعله، وأفعل به، فالمعنى الذي تؤديه جملة التعجب مختلف عن المعنى الناتج عن التقدير الإعرابي، ففي قولنا: ما أحسن زيدا، لدينا (ما) و (أحسن) و (زيدا)
فـ (ما) إما أن تكون نافية أو شرطية أو استفهامية أو موصولة أو موصوفة أو تامة أو زائدة، فلا يصح أن تكون نافية ولا زائدة ولا شرطية، فذهب الكوفيون إلى أنها استفهامية في معنى التعجب وأجاز الأخفش أن تكون موصولة وفي حكمها الموصوفة، وذهب البصريون إلى أنها تامة، وظاهر كلام سيبويه يوحي أن التامة معرفة لأنه قال: (ونظير جعلهم (ما) وحدها ايما قول العرب: إني مما أصنع، أي: من الأمر أن أصنع) ففسر (ما) بالمعرفة.
و (أحسن) إما أن يكون اسما كما ذهب إليه بعض الكوفيين أو فعلا كما ذهب إليه البصريون.
و (زيدا) مجمع على أنه اسم منصوب.
¥