تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحقّ الذي ينبغي أن يُعلم هو أن النحاة لم يحصروا العوامل، ولم يضعوا لها ما وضعوا من أصول إلا بعد تتبع واستقراء لتراكيب اللغة الفصيحة، ولا ننكر بعد ذلك تأثرهم في أثناء شرح تلك الأصول بالمنطق العقلي، وهو أمر بدهيّ، فلا بدّ للإنسان من أن يتأثر بالبيئة العلمية التي تسود عصره، وقد قلنا: إن هذا العصر كان عصر صراع فكري وعقدي اعتمد أصحاب المذاهب المختلفة فيه أكثر ما اعتمدوا على الحجج العقلية والنظرية، فلا عجب إنْ أثَّر ذلك في عرض فكرة العامل عند هؤلاء النحاة.

وأكثر من أخضع مفهوم العامل للفكر المنطقي السكّاكيّ، فعبد القاهر الذي حصر العوامل، وبحث الموضوعات النحويّة من خلال عوامل الأسماء والأفعال والحروف لم يُلبِس مفهوم العامل لباساً منطقيا، حتى جاء السكّاكيّ فجعل التركيب اللغوي المفيد قائما على ثلاثة أركان، وهي الفاعل، ويعني به العامل، والقابل، ويعني به المعرَب، والأثر، ويعني به الإعراب، والفاعل والقابل والأثر مصطلحات منطقية، لذلك نراه يبين المقصود بهذه المصطلحات لدى النحاة، فيقول عن القابل: "وهو المسمى عند أصحابنا مُعرَبا"، وعن الفاعل: "وهو المسمى عاملا"، وعن الأثر: "وهو المسمى إعرابا".

ولم يفت السكّاكيّ التنبيه إلى أن دلالة هذه المصطلحات في النحو يختلف عن دلالتها المنطقية، فالقابل لا يعني اقتضاء الأثر من جهة الطبع، وكذلك الفاعل لا يعني المؤثر بطبعه أو إرادته، فقال: "ولا يذهب عليك أن المراد بالقابل ها هنا هو ما كان له جهة اقتضاء للأثر فيه من حيث المناسبة، وبالفاعل هو ما دعا الواضع إلى ذلك الأثر، أو كان معه داعية له إلى ذلك، وإلّا فالفاعل حقيقة هنا هو المتكلم".

حاشية (1)

فهم ابن مضاء (513 - 592 هـ) القرطبي كلام النحاة على ظاهره البحت، فردّ عليهم وأبطلَ أن تُحدِثَ الألفاظ بعضُها في بعض (الردّ على النحاة 69 – 74). وأنكر العاملَ كثيرٌ من المحدثين العصريين، منهم الدكتور تمام حسان (اللغة بين المعيارية والوصفية (51 – 52) والدكتور محمد عيد (أصول النحو العربي 269 – 270)، والأستاذ إبراهيم مصطفى (إحياء النحو 34 – 40).

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[03 - 01 - 2008, 07:06 ص]ـ

فكرة العامل مشتقة من عموم فكرة (التعليل)، والتعليل هذا أمر فطري عند البشر، فإن الطفل إذا رأى أمه تفعل شيئا تراه يقول لها تلقائيا: فعلت كذا من أجل كذا؟

وجائز أن يكون هذا التعليل صحيحا، وجائز أن يكون خطأ، ولكن أصل التعليل نفسه لا نزاع فيه بين العقلاء، ولذلك لما سئل إمام الفن الخليل بن أحمد عن العلل التي يذكرها لكلام العرب: أشيء سمعته عن العرب؟ أو هو شيء تقوله من عندك؟

فقال رحمه الله: إن العرب تكلمت على سجيتها، ونطقت بحكمتها، وقام في عقولها علل كلامها، ومثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا فوجد فيها نفائس وعجائب فقال: وضع هذا الشيء هنا من أجل كذا، وفعل ذلك من أجل كذا، فجائز أن تكون هذه هي العلة، وجائز أن تكون غيرها، فمن جاء بشيء أفضل مما عللنا به فذاك.

والذي يطعن في النحويين بأن كلامهم مبني على ظنون فاسدة وآراء لا دليل عليها يتكلم عن آحاد التعليلات، أما أصل التعليل فلا نزاع فيه عند العقلاء كما أسلفت.

والمعاصرون الذين ناقشوا قضية العامل لم ينتبه كثير منهم إلى هذا الأمر، فصاروا يناقشون النحويين في قضية العامل انطلاقا من أن هذه أقوال لا دليل عليها، والنحاة المتقدمون لم يكن من همهم إقامة الدليل على صحة التعليل؛ لأن هذه فطرة في البشر كما أسلفنا، ولم يكن يخطر في بالهم أن يأتي أحد فيطعن في هذا الأمر الفطري الواضح، ولذلك كان همهم منصبا على النقاش والترجيح بين العلل المختلفة، وهذا أمر واسع، فقد أختلف معك في العلة، فأنت ترى أن علتك أليق، وأنا أرى أن علتي أليق.

ولكن هذا لا يصلح أن يكون سببا لنبذ التعليل نفسه، ودعوى أن الكلام هكذا هو بغير علة، فإن هذا قول يغني ذكره عن بيان فساده.

ومثله مثل كثير من المعاصرين أيضا الذين يريدون نبذ السنة، لماذا؟ لأن الأحاديث دخلها كثير من الوضع، وفيها الضعيف والمنكر والشاذ، والصحيح أقل بكثير من الضعيف، ولذلك فنحن لا نثق فيها إذا كان هذا حالها، طيب ما الحل يا أذكياء؟ الحل هو نبذ السنة مطلقا، وعدم الأخذ بها والاكتفاء بالقرآن!!

فهذا يشبه ذاك تماما، أولئك صعب عليهم التمييز بين صحيح الحديث وضعيفه فريحوا دماغهم وقالوا يبقى مفيش حاجة اسمها سنة.

وهؤلاء أيضا صعب عليهم فهم حكمة العرب ومعرفة العلل والأسباب، فريحوا دماغهم وقالوا: هكذا هو وخلاص، ومفيش حاجة اسمها تعليل.

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.

ـ[عبد القادر علي الحمدو]ــــــــ[03 - 01 - 2008, 08:45 م]ـ

السلام عليكم ..

أساتذتي الكرام، أستاذي الدكتور (أبو محمد الأغر):كم أنا سعيد بمرورك العطر على هذه الصفحة التي تضوع مسكاً بطيب حبر مدادكم، جزاك الله خيراً، وجزى الله خيراً أستاذي المكرم (أبو مالك)،وأعطاه الخير الجزيل. وجزاكم الله عن المتعلمين أمثالي الفضل والخير الكبير ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير