نحو: كيم فعلت ذلك؟ أي: لم فعلت ذلك؟
وفي رأيي من هذا التصور لمفهوم " كي " اختلف النحاة في اعتبارها حرفا للجر، أو عدم اعتبارها، لأنها لم تتخصص للجر كغيرها من حروف الجر، أو لغرابة الجر بها، فهي لا تجر كما ذكرنا إلا " ما " المصدرية، أو " ما " الاستفهامية، أو المصدر المؤول من " أن " والفعل المضارع.
2 ـ لعل:
إن المتداول في الاستعمال بين النحاة، أن تكون لعل حرفا مشبها بالفعل من أخوات إن، يفيد الترجي، وهو الأمر المحبوب. نحو: لعل الله يرحمنا.
كما تفيد الإشفاق، والتعليل.
126 ـ نحو قوله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} 1.
أو الاستفهام. نحو قوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} 2.
أما استعمالها كحرف من حروف الجر فهذا هو المستهجن لأنها لا تكون كذلك إلا في لغة عقيل، وما استخدم في لغات بعض القبائل لا يطبق كقاعدة عامة.
ومن أمثلة استعمالها حرف جر في لغة عقيل قول الشاعر *:
لعل الله فضلكم علينا بشيء أن أمّكم شرِيم
ومنه قول كعب بن سعد الغنوي:
" لعل أبي المغوار منك قريب "
والشاهد في البيتين السابقين قوله: لعل الله، ولعل أبي، فلعل حرف ترج وجر شبيه بالزائد، وجر بها لفظ الجلالة، ولفظ أبي على لغة عقيل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كون " لعل " وردت في البيتين السابقين، أو في غيرهما على قلة، وفي لغة بعض القبائل، وربما ورد ذلك خطا من القائلين، أو ممن نقل عنهما، هل تعتبر لعل حرفا من حروف الجر؟ سأترك الأجابة للدارس يحكم العقل، والمنطق، ويقرر.
3 ـ متى:
الجر بها لغة هذيل، وقد عدها النحاة بمعنى " من "، أو " في ".
يقولون: أخرجها متى كمه، والمعنى: من كمه.
ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أخيل برقا متى حاب له زجل إذا يفتر من توماضه حلجا
ـ39 ـ ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
الشاهد في البيتين قولهما: متى حاب، ومتى لجج. حيث جُرت حاب، ولجج بـ " متى " في لغة هذيل. وفي رأيي أن هذه لهجات لا يعتد بها.
أما ما زاده المالقي من حروف جارة فهو: مُن، ومعْ، ولولا.
1 ـ مُن:
حرف جر للقسم، ولا تدخل إلا على كلمة " الرَّب "، ويجوز في نونها الإظهار، والإدغام مع راء " رب "، ويعلق صاحب رصف المباني عليها بقوله: " والأظهر عندي أن تكون اسما مقتطعا من " ايمُن " التي هي اليمن عند سيبويه رحمه الله، وجمع " يمين " عند الفراء، إذ قالوا: ايمن الله لأفعلن، وقد استدل المالقي على ما ذكر بوجهين:
أحدهما: أن معنى " من ربي "، و " ايمن الله " واحد، وليست حرف جر لأنها لو كانت حرف جر لأوصلت ما بعدها إلى ما قبلها، ولا يستقيم هنا أيضا لها لفساد المعنى.
والثاني: أنّا وجدنا " ايمن " يحذف منها النون فيقال " ايم الله " والألف والياء والنون فيقال: " مَ الله " بالفتح والضم والكسر، ولا يبعد أن تحذف ألفها وباؤها فتبقى
" مُن " فيكون هذا الحذف من التصرف فيها به، كما تصرِّف فيها بغيره من الحذف، إلا أنها لما لزمت الرفع بالابتداء في القسم لا غير، واتصلت بالمقسم به اجتمعت ضمة ميمها مع ضمة نونها، مع حركة ما بعدها فجرت مجرى " طُنُب "، و " عُنُق " فخففت بالسكون فقيل " طُنْب "، و " عُنْق "، ولذلك جاز إظهار نونها مع الراء دلالة على أصل التحريك (1).
ونخلص من كلام المالقي أن " مُن " تكون اسما، ولا تكون حرفا استنادا لما دلل به،
ناهيك ‘ن إهمال النحاة لها كحرف من حروف الجر، وعدم ذكرها البتة.
2 ـ معْ:
ومن الحروف التي ذكرها المالقي ضمن حروف الجر " معْ " بتسكين العين، فقال: " أعلم أن " مع " تكون ساكنة العين، وتكون متحركتها، فإذا كانت متحركتها فهي اسم مضاف إلى ما بعدها منصوب على الظرفية، وتنون فيقال: معا.
فمثال مجيئها اسما 127 ـ قوله تعالى: {إن مع العسر يسرا} 1.
ومنه قوله تعالى: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} 2.
ومثال مجيئها منونة غير مضافة قولنا: جاء الرجلان معا، وهي حينئذ حال منصوبة.
ومنه قول امرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل
40 ـ ومنه قول الصمة القشيري:
حننت إلى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريا وشعباكما معا
¥