وإذا سكنت عينها فهي غذ ذاك حرف جر معناه المصاحبة، والعامل فيها فعل وما جرى مجراه كسائر حروف الجر، ولا يحكم فيها بحذف، ولا وزن، ولا يسأل عن بنائها لثبوت الحرفية فيها " (3).
ومن الأمثلة على حرفيتها قول الراعي النميري كما ورد في كتاب سيبويه، وهو 41 ـ لجرير في ديوانه:
فريشي منكم وهواي معْكم وإن كانت زيارتكم لماما
الشاهد في البيت قوله: معْكم، فهي جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر لـ " هواي "، والتقدير: هواي كائن معكم.
ــــــــــــــــ
1 ـ 6 الشرح. 2 ـ 62 الشعراء.
3 ـ رصف المباني ص 394.
ولا يخفى ما في ذلك من توهم لأن " مع " ظرف يفيد المصاحبة، وقبل بدخول حرف الجر عليه، وينون، ولكن ربما يكون لمن قال بحرفيته العذر على اعتبار تسكين حرف العين، فيكون التسكين قد أخرج الكلمة من الظرفية إلى الحرفية.
3 ـ لولا:
عد كثير من النحويين " لولا " ضمن حروف الجر، إذا اتصل بها الضمير، سواء أكان مخاطبا، نحو: لولاك، أم غائبا، نحو: لولاه، أم متكلما، نحو: لولاي، ومن ذهب من النحاة هذا المذهب: سيبويه، وأصحابه، فقال: " لولاك، ولولاي، إذا أضمرت الاسم فيه جُرَّ " (1).
ويعني بقوله هذا: أن لولا إذا اتصل بها الضمير تكون حرف جر، والضمير في محل جر بها،
42 ـ كقول رؤبة:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النبق منهوي
الشاهد: لولاي، حيث جر الضمير بـ " لولا "، وهي من حروف الابتداء بدليل أن تلاها ضمير ظاهر منفصل، وما بعدها يكون مرفوعا على الابتداء، وخبره واجب الحذف، نحو: لولا أنت لفعلت كذا.
فلولا: حرف امتناع لوجود " امتناع الجواب لوجود الشرط، والضمير الظاهر المنفصل في محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: موجود.
ومن النحاة من يميل إلى ما قاله الأخفش، وبعض الكوفيين: بأن " لولا " تيقى على عملها وهو: الرفع إذا تلاها ضمير مظهر، نحو لولاك، ولولاي، ولولاه.
واستدل على صحة رأيه من وجهين:
1 ـ أن مجيء لولا حرف جر يعني ذلك دخول حرفين على معمول واحد، ويقصد بالحرفين " لو "، و " لا " لأن لولا مركبة منهما، وهذا غير موجود في كلام العرب.
2 ـ إذا جعلنا " لولا " حرف جر فإنها تحتاج إلى ما تتعلق به، لأنها ليست زائدة،
ــــــــــــــ
1 ـ كتاب سيبوبه ج2، ص 373.
كالباء في بحسبك، وليس في الكلام ما تتعلق به، ولا تُقَدر متعلقة به، ناهيك عن كونها تأتي في أول الكلام، ولا تحتاج إلى كلام قبلها، وتكون جوابا له، وهذا كله معدوم في حرف الجر، والحكم عليها بأنها حرف خفض ضعيف، والأولى أن يحكم عليها بالبقاء على كونها حرف ابتداء عند من يرى ذلك (1).
ثانيا ـ حروف تعمل النصب في الأسماء، وحروف تعمل النصب في الأفعال:
النوع الأول ويشمل: إنَّ، أنَّ، إنْ، أنْ، كأنَّ، لكنَّ، ليت، لعل، ولا النافية للجنس، " وغنَّ " عند بعض النحاة وسنفصل القول عنها في موضعه.
النوع الثاني ويشمل: أنْ المصدرية، لن، إذن، كيما، كي، فاء السببية، واو المعية، لام الجحود، لام التعليل، حتى، وحتى، وذلك عند من عمل بالحروف السابقة دون إضمار " أن " المصدرية.
لقد تعرضنا لنواصب الأسماء مفصلا في بابها، إلا " غَنَّ "، وقد جعلها صاحب رصف المباني نظير " لعل "، و " أنَّ " حيث نصب بها الاسم، ورفع بها الخبر، واستشهد على قوله هذا بقول: أبي النجم العجلي نقلا عن أبي القالي في أماليه
" وأغدُ لغَنَّا في الرهان نرسله " (2).
غير أن الرواية التي أوردها المالقي غير صحيحة فقد وردت في العقد الفريد " لعَنَّا " بالعين، وليس بالغين من قصيدة:
لأبي النجم العجلي طويلة، ومطلعها (3):
ثم سمعنا برهان نأمله قِيد له من كل أفق نرسله
فقلت للسائس قدْه اعجله واغدُ لعَنَّا في الرهان نرسله
3 ـ العقد الفريد لبن عبد ربه ج1، ص 172.
أما الحروف التي تعمل النصب في الأفعال فقد ذكرنا أيضا مفصلة في بابها ولا حاجة لإعادتها.
ثالثا ـ حروف تعمل الرفع في الأسماء، وهي: ما، ولا، ولات، وإن المشبهات بليس، وقد وردت تلك الحروف في بابها.
¥