6– كيف يقال إنها ليست عاملة وقد تخطّت الحصن الحصين – أعني – لام الابتداء، فعملت في الاسم الذي دخلت عليه لمّا تأخر؟؟!! ولو لم تكن عاملة هنا لرُفع الاسم إذ تأخر وهو لم يحدث، وذلك نحو قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} ص49، وغيره الكثير. وهذا – عندي – من أقوى الأدلة على نسخها وعلى شبهها بالفعل الذي يعمل في الفاعل وإن تأخر وفي المفعول به وإن تقدم. بل لقد صارت " إنَّ " أقوى من الفعل!! ألسنا نرى " ظن وأخواتها " تُعلَّق عن العمل في معمولَيها إذا سُبقا بلام الابتداء. بينما لا تعلق لام الابتداء إنَّ؟؟ ولا يردُّ على ذلك بأن اللام لا تتصل بالاسم إلا إذا تأخر؛ إذ أن مرد هذا لعدم اجتماع مؤكدين.
7 – إن المبتدأ لمّا ضعف بنصبه بعد " إنَّ " لم يكن له أن يرفع الخبر، فتفرغت " إن " لرفعه.
8– ماذا نسمي هذه الحروف: نصب أو ماذا؟ نقول مثلا في " رب " حرف جر شبيه بالزائد، فما نقول هنا: حرف نصب؟؟ إذن لست أرى اعترافًا بالنسخ كهذا الاعترافِ، ولو لم يكن عندي إلا هذا لكفاني.
9– لو قلنا إن ليست ناسخة والاسم بعدها منصوب لفظًا كيف نعرب: إن المسلمين فائزون؟ نقول: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهوره اشتغال المحل بالياء المناسبة لحرف النصب الزائد؟ يا له من تعقيد فوق تعقيد!!!! وأي تيسير أو تجديد في هذا؟؟!!
10– لا يصح القياس على " ربَّ "، ولو جاز القياس لقِيست " ربَّ " على " إنَّ " لَكأني بمن يقيس يولد نتيجة فاسدة من مقدمات أفسد، فهو أشبه بمن يقول:
كل فرار من العدو جُبن
كل جُبن مصنوع من اللبن
كل فرار من العدو مصنوع من اللبن
ولا أخوض في "رب " فلها حديث مستقلٌّ عندي.
11 - الحرو ف الزائدة العاملة كـ " من، الباء " لا تنفك عن عمل أصلي لها، ولا تاتي زائدة إلا بشروط، كذلك تجرُّ " رب " بشروط، فهل يصح قياس إن التي تنصب نصبًا مطردًا عليها؟؟!! لقد لزمت تلك الحروف الأسماء فعملت فيها، كما لزمت الخوافض الأسماء فعملت.
12 - لو كانت "إن" غير ناسخة لجاء الضمير بعدها مرفوعًا؛ إذ لا مسوغ لمجئ الضمير منصوبًا حينئذٍ،. فقولنا: أنت فاضل: يصير: علمت أنَّك فاضل؛؛ فلمَا وقع ضميرُ النصب اسمًا لها دلَّ ذلك قطعًا علىنسسخها الظاهر والمضمر.
13–عملتْ " إنْ " المخففة نفس العمل ولا يقال: إن عملها قليل؛ إذ أنَّ استخدامها نفسه قليل، فلا ينهض دليلاً، ويكفي أن تأتي عاملة في التنزيل كقوله تعالى: {وَإِنْ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} هود111 في قراءة نافع وابن كثير وأبو بكر عن عاصمٍ.
قال الشاطبي: (وهو قليل في كلام العرب – يعني الإعمال – ولذلك قال – يقصد ابن مالك: " فقلَّ العمل " ولكنه مع ذلك مقيس) المقاصد الشافية 2 * 386
14– يجوز في تلك النواسخ أن تكون أسماؤها نكراتٍ محضةً، كما يجوز الإخبار بالمعرفة عن النكرة كما في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آل عمران96، وكقوله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ} الأنفال62.
15 - لست أعلم - في علمي القاصر - حرفًا مهملا لم يتخطَّه العامل، ولكن " إن " لمّا قويت في العمل لم يتخطّها حرف الجر ولم يعمل فيما بعدها الجرَّ، نحو قوله تعالى: {ذلك بأنَّ اللهَ نزَّل الكتاب بالحق} البقرة 176
وأخيرًا:
لم يكن لمثلي أن يرد أو يقعِّد أو يفند رأيًًا، ومن حظ العربية العاثر أن يتكلم في أحكامها الرويبضات مثلي، وما نقصد بهذا الرد أشخاصًا، فمقام الاحترام والتوقير لكل أحد محفوظ، فنحن أقل من أن نهاجم أحدًا، ولكن العربية دين، وليس في علم القوم ما يخفى.
وحسبي أني تلميذ بينكم.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[22 - 10 - 2008, 08:13 م]ـ
أخي الحبيب أبا عمار الكوفي
أود أولاً أن أشكرك لمحاولتك الطيبة التي تقف وراءها طيبة أكثر أملتها غيرة على العربية وقواعدها، وهذه الغيرة محمودة مطلوبة متى وضعت في مكانها، والجواب والاحتجاج يكون مقنعًا بإحكامه لا طوله، ويكون في التركيز على مسألة الخلاف بدقة، وبتجنب ما لا يلزم الآخر نفسه به، ويتحقق هذا بالفهم الدقيق للمقولة، والتمعن في الطرح بنية صادقة للفهم أولا ثم الحوار ثانيًا، لأن الجواب والاحتجاج متى افتقر لما يحقق له الغرض ظهر فيه التناقض والضعف وسهل على الآخر بهرجته والرد على كل جزئيّاته بيسر وسهولة، ولكن لا يكون بعد ذلك نتيجة محصلة. وأوضح مشكلة تظهر في هذا الخطاب هو الربط الصارم بين النصب والنسخ، في حين أن النصب ثابت لا مرية فيه ولا نزاع وأما النسخ فلا، وبعض القدماء توقفوا في رفع (إن) الخبر فهذا لا ينسجم مع النسخ. ولا يعدم القارئ المنصف أن يجد من الحجج المسوقة ما هو مؤيد للقول بغير النسخ.
وإلى ذلك كله هناك نغمة تسود الخطاب فيها علوّ وصخب ليس يخدم أمر النقاش.
أخي الحبيب أبا عمار
حين يؤتى بتفسير جديد أو تفسير يعالج تفسيرًا قديمًا فإن هذا لا يمس الجملة بسوء.
لعلك تعود إلى جوابك لتصلح من شأنه بما يكون أعود على حجتك بالقوة أو تذره وهو أحرى.
وأما ما ختمت به خطابك من أمر الهجوم فإنه يسوءني أن يكون ما يمنعك منه إحساسك قلة نفسك أتراك لو أوتيت بسطة من القوة في العلم والمنطق مهاجمًا؟ إني والله لأربأ بك عن مثل هذا وأراك مثلي ترى الفصيح بيت لقاء للأحبة يتحاورون يتفقون ويختلفون ولكن الهجوم لا يخطر في البال، لأنا جميعًا شئنا أم لم نشأ طلاب علم وسنظل كذلك ما حيينا.
تقبل أخي تحياتي ودعواتي الصادقة لك أن يريك الحق حقًّا ويرزقك اتباعه، واسلم ودم.
¥