ـ[د. عليّ الحارثي]ــــــــ[08 - 11 - 2008, 05:02 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أشكرُ الإخوة و الأخوات = الذين شاركوا في هذا الموضوع , و أحبُّ أن أبيّنَ أمورًا كنتُ أظنّها قد ظهرت لمتصفّحيه من أوّلِه, أو من بعض المشاركات فيه؛ و ذلك أنّ هذا الموضوع لمْ يُضَفْ ليَفتحَ مناظرةً بين الطرفين على الوجهِ الذي فُهِم, و لكنّه جاء تنبيهًا و إنكارًا لمسلكٍ رأيتُه قد شاع في الفصيح في مدةٍ غير يسيرة سبقتْ إضافة هذا الموضوع؛ و هو مسلكٌ غلب عليه تغييرُ قواعد اللغة العربية لا تيسيرها, و تغييرُ إعرابها المبنيُّ على تغييرِ تلك القواعد, و ما يلزمُ ذلك من تغيير فهمِ كلام العلماء ـ المُعتَمِدِ على تلك القواعد ـ في التفسير و الفقه و استنباط الأحكام و الأدب و غيره, والتهاونُ في إدخال الألفاظ غيرِ الفصيحة على نحوٍ لا يُحتكمُ فيه إلى أصولِ العربيّة, و مع ما في ذلك كلِّه = من الضرر الكبير على درسِ العربيّة و الإخلال بفهمِ عُلوم الإسلام؛ فإنّي رأيتُ السوادَ الأعظم من أهل هذا المنتدى يسكتون عنه, ومن تكلّم فيه بإنكارٍ أو نقدٍ؛ نالََهُ من الإنكارُ و النقد ما لمْ ينلْه من بَدَّلَ لسانَ العرب, و شرعَ في تهديم بنيانه, فجاء هذا الموضوع منبّهًا و مُحذّرًا و مبيّنًا لوجه الإنكار لذلك المذهب في النظر؛ و لمْ يَتّهِمْ أحدًا في نيّتِه, و لا في نُبلِ مقصدِه؛ فهم إخوانٌ لنا نحبُّهم و نُجلّهم, ونُجلُّ رغبتهم في الإصلاح و التيسير, ولكنَّ الحقَّ إلينا أحبُّ! و ليس الحقُّ دائمًا في التيسير, وإلّا كان خرقُ السفينة لِجَلْبِ الماءِ أدرأَ للمشقّة و أيسر!
على أنّ درسَ العربيّة يمكن أن يتيسّرَ, و علومُها يمكن أن يُجتهد فيها, و فيها من أبواب النظر المفتوحة للاجتهاد ما لا يُحصى, وليكن ْ ذلك بالأصول المعتبرة عن أهل العربيّة؛ فكما لا يصحُّ اجتهادُ مُجتهدٍ في الفقه و الاستنباط دون أن يكون اجتهاده على مُقتضى أصولِ الفقه؛ فكذلك الشأنُ في العربية و نحوها؛ و لسنا في حاجةٍ إلى هدم البناء و الإتيان ببناء جديدٍ لا يقوم على أساسٍ مكين!
و الإنكارُ لمذهبٍ أو مسلكٍ مّا لابد أن يُرى فيه قدرٌ من التشنيعِ على صاحب ذلك المذهب, أو التقريعِ لسالك ذلك المسلك, و هو يأتي تابعًا لا مقصودًا لذاته, و يَقَعُ من نفوس النّاسِ با ختلاف مواقع أفهامهم , و ميولهم ,و سلامة ضمائرهم ,؛ثمّ صار الأمرُ من بعض الكاتبين في هذا الموضوع و غيره ممّا اتّصل به = إلى عرضِ بعض المسائلِ المُختلفِ عليها و إدارة حوارٍ فيها, و التبس على بعضهم المقصود الأوّل, و ساقوا بيانهم و اعتراضاتهم في ما إليه تحوَّل! و رماني بعضهم بما رماني؛ و لمْ يُنكَرْ عليه! على حين أُنكرَ ما هو أقلُّ منه , و تَصرّفَ من تصرّفَ بما أوتي من السلطان بما لا يرضاه كريمٌ, و منَّ على مَنَْ مَنَّ مِنَ اليتامى بالإيواء, و نسي أنّ الفصيح لا يقوم إلا بالفصحاء؛ فلهم من الفضلِ ما له عليهم, غير أنّهم لا يَمُنُّون؛ بلْ يعُدُّونه فرضًا واجبًا, يؤدونه في الفصيح و في غيره, وما ضَرَّ لو لزمَ الحياد, أو الصمتَ, كما صمتَ عن غيرِه!
و أنا أكتبُ هذا لأنّه كان ممّن يمثّل إدارة الفصيح, و سُكِتَ عنه!
فما حالُنا ـ أنا و غيري ـ في ما أصابنا؛ إلا كحال القائل:
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أن نُفارِقَهم =
وَجداننا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُمْ عَدَمُ
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرِمة =
لَو أَن أَمرُكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا =
فَما لِجُرْحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ
وبَينَنا لَو رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفةٌ =
إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهَى ذِمَمُ
كَم تَطلُبُونَ لَنا عَيباً فيُعجِزُكم =
ويَكرَهُ الله ما تأْتُونَ والكَرَمُ
إذا تَرَحَّلْتَ عن قَومٍ وقد قَدَروا =
أَن لا تُفارِقَهم فالراحِلُونَ هُمُ
غير أنَّ للفصيحِ و أهلِه من الإجلالِ و الإكبارِ في نفوسنا = ما يُحتملُ معه الأذى, و تُروَّض به النَّفسُ؛ إلّا أنْ يبلغَ الحالُ ما بلغَ بالأوَّل حتى قال:
و لا يُقيمُ على خّسْفٍ يُرادُ به = إلّا الأذلانِ عَيرُ الحيِّ و الوتدِ
فعند ذلك؛ فاعذروا أخاكم , و انتظروا فراقَََه غيرَ راغبٍ عنكم, و لا مُستبدلٍ بكم!
و الله المستعان!
فائدة:
المناظرةُ العلميّة لها أصولٌ يعرفها من يعرف ضوابط المعرفة؛ وقد ألّف في ذلك شيخنا العلّامة عبد الرحمن بن حسن حبنّكة الميداني ـ رحمه الله تعالى ـ كتابًا سمّاه: " ضوابط المعرفة و أصول الاستدلال و المناظرة " و قرأتُ هذا الكتاب على أحد أساتذتي الفضلاء في جامعتنا أمِّ القرى؛ فأفدتُّ منه كثيرًا , و وجدتُّ فيه من الدقائق و الأصول ما يضبط العقل, و يُحكِمُ النظر و الاستدلال؛ و إنّي و غيري في حاجةٍ إلى مراجعتِه و الإفادة منه.
و من قرأَ هذا الكتاب و قفَ على سببٍ مهمٍ من أسبابِ الخلل الذي يقعُ في كثيرٍ من محاورات المعاصرين و مناظراتهم.
و هذا رابط تحميل الكتاب لمن أراد ضبط هذا الباب:
http://kotob.4uloads.com/view-973.html
وفقّنا الله جميعًا لسَدِّ الخلل, و خيرِ العمل!
¥