تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} في هذه الجملةِ خمسةُ أوجه، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ خبراً للحيّ كما تقدَّم في أحدِ أوجهِ رفعٍ الحيّ. الثاني: أنها خبرٌ عن الله تعالى عند مَنْ يُجيز تعدُّد الخبرِ. الثالث: أنها في محلِّ نصبٍ على الحالِ من لاضمير المستكنِّ في "القَيُّوم" كأنه قيل: يقوم بأمر الخلق غيرَ غافلٍ، قاله أبو البقاء. الرابع: أنها استئنافٌ إخبارٍ، أخبر تعالى عن ذاتِه القديمة بذلك. الخامس: أنها تأكيدٌ للقَيُّوم لأن مَنْ جاز عليه ذلك استحالَ أن يكونَ قَيُّوماً، قاله الزمخشري، فعلى قولِه إنها تأكيدٌ يجوز أن يكونَ محلُّها النصبَ على الحالِ المؤكدة، ويجوز أن تكونَ استئنافاً وفيها معنى التأكيدِ فتصيرُ الأوْجُه أربعةً.

والسِّنَةُ: النُّعاس، وهو ما يتقدَّم النومَ من الفتور، قال عديّ بن الرقاع:

1032 - وَسْنانُ أَقْصَدَه النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ * في عينِه سِنَةٌ وليس بنائمِ

(3/ 77)


وهي مصدرُ وَسَن يَسِنُ مثلَ: وَعَد يَعِد، وقد تقدَّم الحذفِ عند قوله {سَعَةً مِّنَ الْمَالِ}. وقال ابن زيد: "الوَسْنان: الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل، حتى إنه ربما جرَّد السيف على أهله" وهذا القولُ ليس بشيءٍ لأنه لا يُفْهَمُ من لغةِ العرب ذلك. وقال المفضَّل: "السِّنَةُ: ثِقَلٌ في الرأسِ، والنعاسُ في العينين، والنومُ في القلب".
وكررت "لا" في قوله: "ولا نومٌ" تأكيداً، وفائدتها انتفاءُ كلِّ واحدٍ منهما، ولو لم تُذْكَرْ لاحتُمِلَ بقيدِ الاجتماعِ، ولا يَلْزَمُ منه نفيُ كلِ واحدٍ منهما على حِدَته، ولذلك تقول: "ما قامَ زيدٌ وعمرٌ بل أحدُهما"، ولو قلت: "ما قامَ زيدٌ ولا عمرو بل أحدُهما" لم يَصِحَّ، والمعنى: لا يَغْفَلُ عن شيءٍ دقيقٍ ولا جليلٍ، فعبَّر بذلك عن الغفلةِ، لأنه سببها، فَأَطْلَقَ اسمَ السببِ على مُسَبَّبه.
قوله: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} هي كالتي قبلها إلاَّ في كونِها تأكيداً و "ما" للشمولِ. واللامُ في "له" للمِلْك، وكرَّر "ما" تأكيداً، وذَكَر هنا المظروفَ دون الظرفِ لأنَّ المقصودَ نفيُ الإلهية عن غيرِ الله تعالى، وأنه لا ينبغي أَنْ يُعْبد إلا هو، لأنَّ ما عُبِد من دونِه في السماء كالشمس والقمر والنجوم أو في الأرض كالأصنامِ وبعضِ بني آدم، فكلُّهم مِلْكُه تعالى تحتَ قهرِه، واستغنى عن ذِكْر أنَّ السمواتِ والأرضَ مِلْكٌ له بذكرِه / قبل ذلك أنه خالقُ السموات والأرض.
قوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} كقوله: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ} و "مَنْ" وإن كان لفظُها استفهاماً فمعناه النفيُ، ولذلك دَخَلتْ "إلا" في قولِه "إلاّ بإذنه".
(3/ 78)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير