تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله: {بِشَيْءٍ} متلِّقٌ بيحيطون. والعلمُ عنا بمعنى المَعْلوم لأنَّ عِلْمَه تعالى لاذي هو صفةٌ قائمةٌ بذاتِه المقدَّسة لا يتبعَّضُ، ومِنْ وقوعِ العلم موقعَ المعلوم قولُهم: "اللهم اغفر لنا عِلْمَك فينا" وحديثُ موسى والخَضِر عليهما السلام "ما نَقَص عِلْمي وعلمُك من عِلمه إلاَّ كما نَقَص هذا العصفورُ من هذا البحر" ولكونِ العلمِ بمعنى المعلومَ صَحَّ دخولُ التبعيضِ، والاستثناءُ عليه. و "مِنْ علمه" يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بيحيطون، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لشيء، فيكونَ في محلَّ جر. و "بما شاءَ" متعلِّقٌ بيُحيطون أيضاً، ولا يَضُرُّ تعلُّقُ هذين الحرفين المتَّحدين لفظاً ومعنىً بعاملٍ واحدٍ؛ لأنَّ الثاني ومجروره بدلان من الأوَّلَيْن بإعادةِ العاملِ بطريقِ الاستثناءِ، كقولك: "ما مررت بأحدٍ إلا بزيدٍ" ومفعولُ "شاء" محذوفٌ تقديرُه: إلا بما شاء أن يُحيطوا به، وإنما قَدَّرتُه كذلك لدلالةِ قوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}.

قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} الجمهورُ على "وَسِعَ" بفتح الواوِ وكسرِ السينِ وفتحِ العينِ فعلاً ماضياً.

و "كرسيُّه" بالرفع على أنه فاعلُه، وقُرىء "وَسْعَ" سَكَّن عينَ الفعلِ تخفيفاً نحو: عَلْمَ في عَلِمَ. وقرىء أيضاً: "وَسْعُ كرسيِّه" بفتح الواو وسكونِ السين ورفعِ العين على الابتداء، "كرسيِّه" خفضٌ بالإِضافة، "السمواتُ" رفعاً على أنه خبرٌ للمبتدأ.

والكُرْسِيُّ الياءُ فيه لغير النسب واشتقاقُه من الكِرْس وهو الجمع، ومنه الكُرَّاسة للصحائف الجامعةِ للعلمِ، ومنه قولُ العجاج:

1033 - يا صاحِ هل تَعْرِفُ رسماً مُكْرَساً * قال نَعَمْ أعرِفُه وأَبْلَسا

وجمعه كَرَاسيّ كبُخْتيّ وبَخَاتيّ، وفيه لغتان: المشهورةُ ضمُّ كافِه، والثانيةُ كسرُها، وكأنه كسرُ إتباع، وقد يُعَبَّر به عن المَلِك لجلوسه عليه تسميةُ للحالِّ باسم المَحَلِّ، ومنه:

(3/ 80)


1034 - قد عَلِمَ القُدُّوسُ مَوْلى القُدْسِ * أنَّ أبا العباسِ أَوْلِى نَفْسِ
في مَعْدِنِ المَلِكِ القديمِ الكُرْسي
وعن العلمِ تسميةً للصفةِ باسمِ مكانِ صاحبِها، ومنه قيل للعلماء: "الكَراسيّ" قال:
1035 - يَحُفُّ بهم بيضُ الوجوه وعُصْبَةٌ * كراسِيُّ بالأحداثِ حين تَنُوبُ
وَصَفَهم بأنهم عالمونَ بحوادثِ الأمورِ ونوازِلِها ويُعَبَّرُ به عن السِّرِّ قال:
1036 - مالي بأَمْرِكَ كُرْسِيٌّ أُكاتِمُهُ * ولا بِكُرْسِيِّ - عَلْمَ اللَّهُ - مَخْلُوقِ
وقيل: الكُرْسيُّ لكل شيء أصلُه.
قوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ} يقال: آدَاه كذا أي: أَثْقله ولَحِقه منه مَشَقَّةٌ، قال:
1037 - ألا ما لسَلْمَى اليومَ بَتَّ جَدِيدُها * وَضَنَّتْ وما كانُ النَّوالُ يَؤُودُها
أي: يُثْقِلها، ومنه المَوْءُوْدَة للبنت تُدْفَنُ حيةً، لأنهم يثقلونها بالتراب. وقُرىء "يَوْدُه" بحذفِ الهمزة، كما تُحذف همزة "أناس"، وقرىء "يَوُوده" بإبدال الهمزة واواً.
و "حِفْظ" مصدرٌ مضافٌ لمفعولِهِ، أي لا يَؤُوْده أَنْ يحفظَهما.
و "العليّ" أصلُه: عَلِيْوٌ فأُدْغم نحو: مَيِّت، لأنه من علا يعلو، قال:
1038 - فَلَمَّا عَلَوْنَا واستَوَيْنَا عليهِمُ * تَرَكْنَاهُمُ صَرْعَى لنسرٍ وكاسِرِ
و العظيمُ" تقدَّم معناها، وقيل: هو هنا بمعنى المُعَظَّم كما قالوا: "عتيق" بمعنى مُعَتَّق قال:
1039 - فكأنَّ الخمرَ العتيقَ من الإِسْـ * ــفَنْطِ ممزوجةً بماءٍ زُلالِ
قيل: وأُنْكِرَ ذلك لانتفاء هذا الوصفِ قبل الخَلْقِ وبع فنائِهم، إذ لا مُعَظَّم له حينئذٍ، وهذا فاسدٌ لأنه مستحقٌ هذا الوصفَ. وقيل في الجواب عنه: إنه صفة فعلٍ كالخَلْق والرِّزْق، والأولُ أصحُّ.
(3/ 81)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير