يراد من اللفظ العرفية أو الشرعية بخلاف اللغوية , وقد يحتمل النص أكثر من
معنى من جهة اللغة , ولكن إذا رجعنا لبقية النصوص من الكتاب والسنة ونهج السلف
الصالح لعرفنا المقصود من جملة تلك الاحتمالات ,
ولذا فإن نصوص القرآن منها المجمل والمشكل والمحتمل والعام والخاص فإذا
رجعنا إلى السنة المبينة والمفسرة وضحت تلك النصوص وتقيدت , وبان
المقصود منها , والإعراب فرع المعنى , والمعنى الصحيح للنص القرآني لا
يتأتى بالنظر إليه بمفرده , ولذا لا يعتمد عليه بمفرده , بل لا بد من النظر إليه
مع جملة النصوص من الكتاب والسنة التي تدور في موضوعه ,
وعليه: فالنظر إلى الآية محل السؤال بمفردها لا يمكن من الوصول للحقيقة , بل
لا بد من الرجوع إلى جملة نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بهذه الآية مع منهج
السلف الصالح , لأن كثيرًا من معاني القرآن تخفى على الناظر إليها إذا اكتفى
بها بمفردها , وتبين مع غيرها.
يقول العكبري في كتابه " التبيان في إعراب القرآن "
" وأرجلَكم " يقرأ بالنصب وفيه وجهان:
أحدهما: هو معطوف على الوجوه والايدي أي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم، وذلك جائز في العربية بلا خلاف، والسنة الدالة على وجوب غسل الرجلين تقوى ذلك.
والثاني: أنه معطوف على موضع برءوسكم والأول أقوى لأن العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع.
قلتُ: وسيأتي بيان ضعفه إن شاء الله تعالى.
ويقرأ بالجر وهو مشهور أيضا كشهرة النصب وفيها وجهان:
أحدهما: أنها معطوفة على الرءوس في الإعراب والحكم مختلف فالرءوس ممسوحة والارجل مغسولة وهو الإعراب الذي يقال هو على الجوار
قلتُ: فرق الخازن بين العطف على رءوسكم لفظًا وبين المجاورة ,
فجعل هنا أرجلكم معطوفة لفظًا على رءوسكم متعلقة معنىً بـ " فاغسلوا " ,
نحو قولهم:
" علفتها تبنًا وماءً باردًا " ,
فهنا " ماءً " معطوفة لفظًا على " تبنًا " متعلقة بفعل آخر دل عليه المعنى
والسياق والعقل , وهو " وسقيتها ".
وقولهم:
" يا ليت بعلك قد غدا متقلدًا سيفًا ورمحًا " ,
فـ " رمحًا " معطوفة لفظًا على " سيفًا " متعلقة معنًى بغير ما تعلق به ,
فتعلق " رمحًا " بـ " حاملاً " , لأن الرمح لا يُتقلد بل يحمل.
وهنا لا وجه للقول بالمجاورة.
وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته فقد جاء في القرآن والشعر,
قلتُ: منهم من منعه , وخص المجاورة بالنعت والضرورة الشعرية ,
والذي رأه جمع من المحقيقين: صحة المجاورة في النعت والتوكيد والعطف ,
وعدم قصرها على الضرورة الشعرية , بل وتعدت المجارة لغير ما ذكرنا إلى
التأنيث والتذكير.
والله الموفق.
بورك فيك أستاذي، ونفع بك وبما تقدم.
ـ[السلفي1]ــــــــ[24 - 07 - 2009, 05:46 م]ـ
[ quote= سلام الله عليكم;358992]:::
بسم الله.
قلتُ ,وبالله تعالى التوفيق والسداد:
أحسن الله تعالى إليك أخي الكريم.
أولا: إذا نقول بأنه معطوف على الوجوه والأيدي أقوى من موضع الرؤوس،
قلتُ: العطف على موضع " برءوسكم ضعيف من وجوه كما سيأتي إن شاء
الله تعالى , فتأمل.
ولكن هل هناك فرق بين مسحت بالشئ، ومسحت الشئ؟؟ حسب ما قرأت أن معنى مسحت بالشئ تفيد مسحت بعض الشئ، وإلا فما معنى الباء في (برؤوسكم)، هل تفيد التبعيض؟
قلتُ: ما ذكرتَ هو فارقًا إذا كانت الباء للتبعيض , وليس كذلك إذا كانت الباء
للإلصاق , وإنما الفرق حينها كما ذكر إمام أهل السنة في المتأخرين شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله تعالى , والفرق هو:
قولهم: مسحتُ بالشيء أي: أوصلتُ الممسوح به إلى الممسوح وألصقته به ,
أما قولهم: مسحتُ الشيء , فلا يلزم منه إيصال الممسوح به إلى الممسوح.
مثاله: من بلل يديه بالماء فمسح رأسه وألصق الماء به , قلنا: مسح برأسه ,
ومن مرر يديه خاليتين من الماء على رأسه ,قلنا: مسح رأسه.
ثانيا: فلو قلت مثلا (أكرمت زيدا وعمرا ومسحت بعليٍِ واحمدا) فيكون أكرمت ثلاثة وهم زيدا وعمرا وأحمدا والممسوح واحد فقط وهو علي،، فهل يمكن ذلك؟
قلتُ: لا بد من التفرقة بين كلام من يكون حجة في العربية وكلام من لا يكون
كما سيأني إن شاء الله تعالى.
والله تعالى الموفق.
ـ[السلفي1]ــــــــ[24 - 07 - 2009, 06:03 م]ـ
[ quote= عين الضاد;359033]
أخي الكريم لقد تكلم العلماء عن معنى الباء كثيرا وخاصة في هذه الآية واسمح لي أنقل لك ما قله العلماء:
قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله تعالى -: (زعم بعضهم أن المسح هو بعض الرأس .. أن الباء للتبعيض فكأنه قال وامسحوا بعض رؤوسكم .. و قول الله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) الباء للإلصاق فكأنه قال: (وامسحوا رؤوسكم) فيتناول الجميع كما قال في التيمم: (وامسحوا بوجوهكم).
وقولهم الباء للتبعيض غير صحيح ولا يعرف أهل العربية ذلك ..
وقال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل الغة بما لا يعرفونه.
وقال العُكْبُريُّ: «وقال من لا خبرة له بالعربية: الباء في مثل هذا للتبعيض، وليس بشيء يعرفه أهل العلم».
ومنهم من نسبه إلى أصحاب الشافعي. قال ابن جني: «وأما ما يحكيه أصحاب الشافعي من أن الباء للتبعيض فشيء لا يعرفه أصحابنا، ولا ورد به ثَبِتٌ».
ومنهم من نقل عن ابن هشام أنه نسبه إلى الشافعي في شرح قصيدة كعب بن زهير، والذي حققه السيوطي أن الباء عند الشافعي للإلصاق، وأنكر أن تكون عنده للتبعيض، وقال: «هي للإلصاق. أي: ألصقوا المسح برؤوسكم،
قلتُ: سلمت أيتها النجدية , وقبل السيوطي حقق المسألة عن الشافعي إمام
الحرمين الجويني رحمه الله تعالى , وأنكر على من نسب للشافعي القول
بالتبعيض في الباء , وقال بالإلصاق , وإمام الحرمين ممن يُرجع إليه في تقرير
مذهب الشافعي والوقوف على الصحيح من الروايات فيه وأقوال الشافعي.
والله الموفق.
¥