وقد عُقِدَتْ ندوة مناهج اللغة العربية في التعليم قبل الجامعي عام 1985هـ، أي قبل سبعة عشر عامًا لإيجاد حلول لمشكلة تدني تعليم اللغة العربية فيما قبل التعليم الجامعي؛ لأنه لا يكاد يوجد فتى يتقن العربية الفصحى في المراحل الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية.
في بدء حديثنا لا بُدَّ من تعريفات ومقدمات.
نسأل: ما اللغة؟
اللغة أصوات منظمة بقواعد معينة تحمل فكرًا، تذهب إلى أذن إنسان آخر بينهما قواعد مشتركة؛ فيفهم ما يقوله الآخر.
ولكن كيف يتمكن الإنسان من استدخال هذه القواعد، ومن نطقها بناءً على هذا النظام؟
وكيف يكون قارئًا أو متحدثًا أو مستمعًا؟
للإجابة عن ذلك توجد طريقتان:
الطريقة الأولى:
الابتداء بمن هم قبل سن السادسة من العمر، فقد ثبت علميًا بدراسة التكوين البيولوجي (البدني) للإنسان أنَّ الإنسان يولد وفي دماغه منطقة خاصة تتولى موضوع اللغة، كما أنَّ هناك منطقة خاصة بالنظر، فمناطق الدماغ مقسمة، وكل قسم مسؤول عن وظيفة معيَّنة. هناك جزء مسؤول عن اللغة، فإذا أَعْطَبْتَ العضوَ المسؤول عنها أعْطَبْتَ الوظيفة.
فالطفلُ الصغيرُ منذُ اليومِ الأولِ مِنْ وِلادَتِهِ يختزنُ الأصواتَ التي يستمع إليها، فالأصوات تخرج من أفواه من حوله، يستمع إليها ويضبط ذبذباتها.
الطفل بعد ولادته بتسعة أشهر أو بعشرة أشهر تقول له:
قل كذا، يقول: (نع نع)، ويبدأ يردد المقاطع؛ لأنه اختزن الأصوات، (أي: الحروف).
تأتي مرحلة أخرى، هي ربط الأصوات بالأشياء، حيث يذكر الطفل: حليب، عين، أذن، شعر، رِجْل ... إلخ.
ثم تأتي القواعد النحوية يقول: في البيت شجرة. حيث تتأثر الكلمات بما قبلها وبما بعدها.
والطفل يكتسب لغة أهله إن كانت فصحى أم عامية، حتى إن العامية لها قواعدها، فنسمع الطفل يقول: رايح، رايحين، لاعب، لاعبين، واحد، واحدين ... إلخ.
ويكون حفظ اللغة قبل السادسة بالاكتشاف الذاتي،
فنسمع الطفل يقيس على (الكرات) مثلاً (الأحمرات، الأصغرات، ... إلخ).
وهذه القدرة تمكن الطفل في هذه المرحلة من إتقان لغتين أو ثلاث لغات، إنه ينسخ الأصوات نسخًا.
الطريقة الثانية:
وتخص ما بعد السنة السادسة من العمر.
تبدأ تلك القدرة آنفة الذكر لدى الأطفال بالضمور والتراجع؛ حيث تفقد قدرتها على كشف القاعدة.
وتوجد قاعدة بيولوجية تقول: «العضو الذي تنتهي مهمته يبدأ بالضمور»، والطفل منذ الولادة حتى سن السادسة يكتسب اللغة
ولكن لماذا يكون التوقف عند سن السادسة؟
الجواب: إنه يصبح مبرمجًا لاكتساب المعارف والعلوم من الآخرين.
ونسأل: ما الأداة التي يَكْتَسِبُ بها العلوم؟
يكون الجواب: باللغة التي أتقنها.
لكن بعد السادسة كيف يحصل على اللغة؟
الجواب يكون بالطبع: بالطريقة المعرفية كالعلوم والرياضيات وغيرهما.
وكيف يكتسب اللغة الجديدة بعد السادسة؟
لا بُدَّ من وجود مُعَلِّمٍ محترفٍ حيث يكشف القاعدة، وهنا نبدأ أساليب جديدة في التعليم.
ومن عيوب هذه الأساليب: احتياجها لوقت طويل، وبذل جهد وتعب، وشيء آخر مهم هو أنَّ اللغة الجديدة بعد سن السادسة تزاحم المعارف الأخرى في الوقت المخصص لها، وتأخذه منها.
ومن هنا نستنتج:
أولاً: أنَّ اللغة العامية لا تساعد في تَقَبُّلِ الثقافةِ.
ثانيًا: أن انتشار العامية في هذه المرحلة غايةٌ في الخطورة.
ثالثًا: أن الطالب يجد نفسه أمام الحقيقة الآتية: إنَّ الفصحى هي لغةُ التعلمِ، وهي لغةُ اكتسابِ المعرفةِ أيضًا التي سوف يستخدمها عندما يصبح رجلاً.
لذا يجب أن تسبق اللغةُ الفصحى المعرفةَ التي يَتَعَلَّمُهَا، وهذا يكون قبل سِنِّ المدرسة.
يجب أن يتقن المحارب استعمال أسلحة المعركة قبل دخولها.
والتلميذ العربي مظلوم، فعليه عبآن:
الأول: أنه يقرأ ولا يفهم.
الثاني: أنه إذا فهم فلن يجد العبارات ليُفْرِغَ ما فَهِمَ، لذا فهو يحتاج دائمًا لمن يشرحُ له، ويملي عليه، ويَتَّبِع الذي يقول له، أي: إننا نكون أمة تابعة.
ولكن كيف نعالج هذا التقصير؟ قبل أن نوضح سبل العلاج لا بُدَّ أن نَطَّلِعَ على هذه الإحصاءات:
يخصص لتعليم اللغة العربية في صف دراسي واحد في بعض دول الوطن العربي على سبيل المثال الآتي:
- في سورية: 1152 حصة.
- في السعودية: 1080 حصة.
- في مصر: 1290 حصة.
- أما في الغرب في إنجلترا فيخصص لتعليم اللغة الإنجليزية: 576 حصةً فقط.
فإذا قارنت بين زمني تعلّم اللغة عندنا وعند الغرب فستجد أن فارقًا كبيرًا في الزمن بيننا وبينهم، يصرفونه هم في تعلّم المعارف والعلوم المختلفة، ولهذا تقدَّموا.
نعود مرَّةً أخرى إلى السؤال: كيف نعالج التقصير؟
الجواب: باستغلال القدرة الفطرية للطفل قبل سن السادسة قبل أن تفلت من أيدينا.
أي من قبل ثلاث سنوات أو من ثلاث سنوات حتى ست سنوات، حيث نتكلم مع الأطفال بالفصحى فيتعلمونها بالفطرة.
هل يمكن هذا؟ وهل تتعايش الفصحى مع العامية؟
وما انعكاس تعلّم الفصحى على الطفل بعد دخول المدرسة؟
لا بُدَّ من التجريب. ولكن كيف يكو ن التطبيق؟
يكون التطبيق في المدرسة أو في الروضة أو في البيت، حيث يتكلم أحد الوالدين مع ابنه بالفصحى، ويتكلم الآخر بالعامية، وإذا لم يكن الوالدان يتحدثان الفصحى فعن طريق عمل برامج محادثة كرتونية للأطفال ... وهكذا، أما في الروضة فتلتزم بعض المعلمات اللآتي يتعاملن مع الطفل بالفصحى في حديثهن.
لقد انتشرت هذه الفكرة في سورية، وبدأ تطبيقها في السعودية (في مدارس البسام في المنطقة الشرقية، ومدارس الرواد في الرياض ..... إلخ).
وقد أجريت دراسة أكاديمية في سورية فوجد أن الأطفال الذين تخرّجوا في روضة الأزهار وعددهم (261) طفلاً قد تفوّقوا على أقرانهم، وهم متفوقون دائمًا، ولو قمت بعمل إحصاء لنتائجهم مقارنة مع نتائج زملائهم، وكررت الإحصاء (100) مرة فلن تجد فرقًا في نسبة تطابق النتائج، وإن وجد فلن يزيد عن (0001 و %).