(القَطْعُ) عند البصريين وعند الكوفيين
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[03 - 06 - 2005, 04:26 ص]ـ
إخواني الأعزاء في منتدى الفصيح وفقهم الله وسددهم
ربما أغيب عن هذا المنتدى مدة لن تكون طويلة إن شاء الله، فقد بدأت الامتحانات وبعدها تبدأ الإجازة الصيفية المليئة بالشواغل، ولا إخالني أني سأجد الوقت الكافي للمشاركة في هذا المنتدى الكريم في مدة الإجازة ..
كتبت في موضوع لي ما مؤداه أن ما كان حالا لا يجوز أن نقول عنه: إنه نعت مقطوع، أي: لا يجوز أن نقول: إنه منصوب على القطع، أي: لا يجوز أن نقول: إنه منصوب بفعل مضمر، فلا حاجة أن نقول في (فزت بالجائزة مرموقة): إن (مرموقة) منصوبة على القطع، أي: لا تكون منصوبة على أنها مفعول بها لفعل محذوف تقديره أمدح. وأردت بالقطع ما استقر عند النحويين من قطع الصفة عن الموصوف، لأن مرموقة ليست في الأصل صفة لما قبلها حتى تقطع.
فلم يفهم بعضهم معنى القطع الذي قصدته، فاعترض عليّ، وأتى بشواهد عن النصب على القطع عند الكوفيين، ولم يدر أن ما نصب على القطع عند الكوفيين هو الحال عند البصريين، لذلك كتبت هذا الموضوع لبيان الفرق بين القطع عند البصريين والقطع عند الكوفيين.
أما البصريون فيريدون بالقطع أن تأتي إلى صفة أو أكثر لموصوف معين فتقطعها عن الموصوف وتبقيها كما هي من دون أن تحذف منها شيئا، ثم تنصبها بفعل مضمر أو ترفعها على أنها خبر لمبتدأ محذوف.
أما النصب فيكون الغرض منه أحد أربعة أشياء:
الأول: المدح أوالتعظيم، مثل: الحمد للهِ الحميدَ، فالحميد صفة قطعت عن الإضافة ونصبت بفعل محذوف تقديره: أعظم. والفعل هنا واجب الحذف.
والثاني: الذم أوالشتم، مثل: أعوذ بالله من الشيطانِ الرجيمَ، فالرجيم منصوب على القطع بفعل محذوف تقديره أذم. والفعل هنا أيضا واجب الحذف.
والثالث: الترحم، مثل: مررت بزيدٍ المسكينَ، فالمسكين كان صفة لزيد فقطعت وصارت مفعولا بها لفعل محذوف تقديره: أرحم. والفعل هنا أيضا واجب الحذف.
والرابع: التخصيص أو التعيين، مثل: مررت بالمدرّس الطويلَ، فالطويل كان صفة للمدرس ولكنها اقتطعت عن الموصوف ونصبت بفعل تقديره أعني، وهذا الفعل جائز الحذف والذكر.
وأما الرفع في الصفة المقطوعة ففي مثل ما تقدم يجوز أن ترفع الحميد على أنه خبرلمبتدأ محذوف، أي: الحمد لله هو الحميدُ. وكذلك الباقي.
هذا كله عن الموصوف والصفة المعرفتين.
أما إذا كان الموصوف نكرة فيجوز قطع صفته النكرة ولكن بشرط أن تبقى الصفة الأولى غير مقطوعة، وما تبقى تنصب أو ترفع بعد العاطف غالبا، والشاهد المشهور في هذا:
ويأوي إلى نسوة عطلٍ ****** وشعثا مراضيع مثل السعالي
وعلى هذا تقول: مررت برجل طويلٍ وذا جمّة وسيما، أو: وذو جمة وسيمٌ.
والقطع في كل ما تقدم جائز لا واجب.
ويجب القطع إذا أردت أن تصف موصوفين أو أكثر اختلف إعراب أحدهما عن الآخر بصفة واحدة، نحو: جاء زيد ومررت بعمرو العاقلين أو العاقلان. وفي القطع الواجب تفصيل لا داعي له في هذا المقام.
********
أما القطع عند الكوفيين فقد بينه ابن السراج بعدما ذكر رأي الكسائي في أن ظريفا في قولنا: رأيت زيدا ظريفا منصوب على القطع، فقال: ومعنى القطع أن يكون أراد النعت فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة انقطع منه وخالفه. (الأصول1/ 216)
وابن السراج له عناية بشرح مصطلحات الكوفيين.
وهذا المعنى الذي ذكره ابن السراج لا يدخل فيه كل صور القطع عند الكوفيين، فقد أجاز الفراء أن يكون (هدى) في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) قطعا من الضمير في (فيه) قال: كأنك قلت: لا شك فيه هاديا. فهنا لا يمكن أن يكون أريد فيه نعت الضمير، لأن الضمير لا يوصف.
ويرى بعض الكوفيين أن سبب النصب على القطع هو سقوط الألف واللام من الاسم المقطوع، فقولنا: جاء زيد راكبا، أصله: الراكب، فلما سقطت الألف واللام نصب لأنه انقطع من الألف واللام، وهذا مبني على ما نقله ابن الأنباري في إعراب (وقوفا) من قول امرئ القيس: وقوفا بها صحبي علي مطيهم، فقد ذكر أن بعض اللغويين جعل النصب في (وقوفا) على القطع من (الدخول وحومل وتوضح والمقراة) فقد كان معرفا بالألف واللام (الوقوف) فلما سقطت الألف واللام نصب، وأنكر الفراء أن يكون النصب بسبب سقوط الألف واللام وقال: لو كان ذلك صحيحا
¥