ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[19 - 05 - 2005, 01:08 م]ـ
أخي الكريم زيد حفظه الله
للفائدة ومزيد من البيان أضيف ما يأتي:
قول سيبويه رحمه الله (فهذه الحروف كلها مبتدأة مبني عليها ما بعدها، والمعنى فيهن أنك ابتدأت شيئا ثبت عندك، ولست في حال حديثك تعمل في إثباتها وتزجيتها، وفيها ذلك المعنى) من الأقوال التي لا يستطاع في معانيها مثلُها، وهو مثل قوله عن تقسيم الفعل بحسب دلالته على الزمان: (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، وما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع)، وقد علّق عبد القاهر الجرجاني على هذا الكلام فقال:
(لا نعلم أحدا أتى في معنى هذا الكلام بما يوازيه أو يدانيه، أو يقع قريبا منه، ولا يقع في الوهم أيضا أنه يُستطاع، أفلا ترى أنه إنما جاء في معناه قولهم: (والفعل ينقسم بأقسام الزمان: ماض وحاضر ومستقبل) وليس يخفى ضعف هذا في جنبه وقصوره.) (دلائل الإعجاز605)
فقول سيبويه السابق الذي ابتدات به لا يتصور أن يؤتى بمثله في بيان الفرق بين دلالة المصادر التي تأتي مبتدأة مبنيا عليها ما بعده والمصادر المنصوبة بأفعال مضمرة مع اتفاقهما في المعنى العام، فقولنا: الحمد لله، فيه معنى: حمدا لله، ولكن (الحمد لله) يعبر به المتكلم عن أمر ثابت في نفسه دفعة واحدة، من غير ان يكون فيه دلالة على حدوث الحمد من المتكلم على سبيل التجدد آنا بعد آن، أما قولنا (حمدا لله) فيعني أن المتكلم به يثبت الحمد في أثناء تكلمه وهو متلبس بفعل الحمد، لأنه بتقدير أحمد الله، أي أن المتكلم يزاول الحمد في زمن التكلم ويزجّيه تزجية.
وقد تحدث عبد القاهر عن هذا المعنى فقال:
(إن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا بعد شيء، وأما الفعل فموضوعه أنه يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء، فإذا قلت: زيد منطلق، فقد أثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا .... وأما الفعل فإنه يقصد فيه إلى ذاك، فإذا قلت: زيد ها هو ذا ينطلق، فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا، وجعلته يزاوله ويزجّيه) (دلائل الإعجاز174)
وازن بين الكلامين تر البون شاسعا، فقد استطاع سيبويه ان يجمل كل هذا التفصيل بعبارة موجزة قوية ذات دلالة عميقة يكاد يعجز عنها من يحاول الإتيان بمثلها.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
مع التحية الطيبة والتقدير.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[21 - 05 - 2005, 02:28 ص]ـ
تذييل
مما ذكره سيبويه من المنصوب بفعل لازم الإضمار الحال النائب عن المصدر، وهو حال مؤكد لعامله المحذوف وجوبا، وجعله سيبويه من باب المنصوب الذي يدل على أن قائله في حال ذكره يعمل في تثبيته وتزجيته، وذلك في نحو: أقائما وقد قعد الناس، و: عائذا بالله من شرها، قال سيبويه:
(وإذا ذكرت شيئا من هذا الباب فالفعل متصل في حال ذكرك وأنت تعمل في تثبيته لك أو لغيرك في حال ذكرك إياه، كما كنت في باب حمدا وسقيا وما أشبهه إذا ذكرت شيئا منه في حال تزجية وإثبات ... ) 1/ 341
لأنه في معنى: أتقوم قائما، وأعوذ بالله عائذا، فالجملة فعلية دالة على أن المتكلم أو المخاطب الذي يقوم بالفعل المذكور في حال إثبات للفعل وتزجية له. أما إذا قال: عائذ بالله، فلا دلالة فيه على التزجية، فهو تقرير بأنه عائذ بالله أي: هذا شأنه على سبيل الثبات والدوام، فهو ليس في حال هذا القول في حالة تلبس بفعل العياذ وتزجيته، أما إذا قال: عياذا بالله، أو عائذا بالله، فيدل أنه في حال تزجية لهذا الفعل.
وقليل من الباحثين من يهتم بمتفرقات كتاب سيبويه الدائرة حول المعنى الواحد. وقد مدح ابن مالك أحد العلماء أظنه الشلوبين أو ابن خروف بأنه خير من كان مطلعا على متفرقات الكتاب.
رحمك الله يا أبا بشر رحمة واسعة وجزاك عما قدمته لهذه اللغة خير الجزاء.
مع التحية الطيبة.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 06 - 2005, 08:07 ص]ـ
الأخ الكريم زيد
هل اطلعت على ما كتبته لك وأفدت منه؟ أم جاء الجواب متأخرا فلم تستفد منه؟
مع التحية الطيبة.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[17 - 06 - 2005, 03:20 م]ـ
الأستاذ الأغر
جزاك الله خيرا على هذه الدرر النادرة0
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 06 - 2005, 05:01 م]ـ
أخي الكريم الأستاذ أبا سارة
اشكرك على مرورك وتحملك عناء القراءة لموضوع دقيق في النحو قد لا يصبر عليه المتخصصون. ومعذرة عما سلف، فكلانا تعجّل في الحكم، والله يتولانا وإياكم ويهدينا جميعا صراطه المستقيم.
مع التحية الطيبة.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[18 - 06 - 2005, 03:43 ص]ـ
أستاذنا الأغر
صدقت، أعلمُ أن هذا الموضوع دقيق ولايلحقه فهمي، ولكني أستعذب قراءته، وكما يقولون: لايخلو كتاب من فائدة، وهو عندي بمنزلة كتاب، فلعلي أقتطف منه فائدة، ومنكم نستفيد0
أما العذر، فيعلم الله أني لا أكن لك ألا كل قدر واحترام وليس بيني وبينك إلا كل خير 0
وفقنا الله وإياك إلى مايحب ويرضى0
وأعتذر لصاحب الموضوع الأستاذ زيد على هذه المداخلة0
ودمتم سالمين،،
¥