فكأنه قال: " قد رميتهم لو لم أحدّ ".
وهذا كقوله تعالى: {فلا اقْتحمَ العَقَبة}، أي: لم يقتحم العقبة.
وكقوله تعالى: {فلا صَدَّقَ ولا صلَّى}، أي: لم يصدِّق ولم يصلّ) انتهى
وذهب ابن منظور، في " اللسان "، إلى الرأي الثاني.
فقال بعد ذكر بيت الجموح الظفري:
قالت أمامةُ لمَّا جئتُ زائرَها * هلاَّ رميتَ بِبَعضِ الأسْهُمِ السُّودِ
لا درَّ درُّكِ إنَّي قد رَمَيْتُ بهِ * لولا حُدِدْتُ ولا عُذرَى لِمَحدُودِ
(وقوله: " لولا حددتُ " هو على إرادة " أن ".
تقديره: " لولا أن حددتُ "، لأن " لولا " التي معناها امتناع الشيء لوجود غيره، هي مخصوصة بالأسماء.
وقد تقع بعدها الأفعال، على تقدير: " أن "، كقول الآخر:
ألا زعمتْ أسماءُ أن لا أحبُّها * فقلتُ بلَى لولا يُنازعُني شُغْلي
ومثله كثير) انتهى
والله أعلم
بقي النظر في ما ذهب إليه الأستاذ الفاضل / " اليتيمي "، حيث قال:
(الفعل " يذم " منصوب بـ" أن " المضمرة المؤوَّلة مع فعلها بمصدر)
أقول: بارك الله فيك، أيها الأستاذ اللبيب، على هذه اللفتة الذكيَّة، والنظرة الفتيَّة.
نعم، على القَول الثاني، بإضمار " أن "، يجوز أن يرتفع الفعل بعدها، وهو الأقوى والأشهر.
ويجوز فيه النصب.
قال الخليل – رحمه الله – في كتابه " الجمل في النحو ":
(والرفع على فقدان الناصب مثل قول الله - عزَّ وجلَّ - في البقرة: {وإذْ أخذْنا ميثاقَ بني إسْرائيلَ لا تَعبدونَ إلا اللهَ}، معناه: " أن لا تعبدوا إلا اللهَ "، فلما أسقط حرف الناصب ارتفع، فقال: " لا تعبدونَ ".
ومثله في البقرة: {وإذْ أخذْنا ميثاقَكم لا تَسفكونَ دِماءَكم}، معناه: " أن لا تسفكوا "، فلما أسقط حرف الناصب ارتفع، قال طرفة بن العبد:
ألا أيُّهذا اللائمِي أحضرُ الوغََى * وأنْ أشهدَ اللذاتِ هلْ أنتَ مُخلِدِي
معناه: " أن أحضرَ الوغَى ".
وقيل: نصب بإضمار " أن "، والدليل على ذلك: " وأن أشهدَ اللذاتِ "، وقال آخر
خُذي العفوَ مني تستديمي مودَّتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضبُ
فإني رأيتُ الحبَّ في الصدر والأذَى * إذا اجتمعا لم يلبثِ الحبُّ يذهبُ
على معنى: " أن يذهبَ "، فلما نزع حرف الناصب ارتفع) انتهى
وجاء في " المقتضب ":
(ويكون على شيء هو قليل في الكلام.
وذلك أن تريد: " مُرْهُ أنْ يحفرَها "، فتحذف " أن "، وترفع الفعل، لأن عامله لا يضمر.
وبعض النحويين من غير البصريين يجيز النصب على إضمار " أن ".
والبصريون يأبون ذلك، إلاَّ أن يكون منها عوض نحو: الفاء والواو، وما ذكرناه معهما.
ونظير هذا الوجه قول طرفة:
ألا أيُّهذا الزَّاجِري أحضُرُ الوَغَى * وأنْ أشْهَدَ اللّذاتِ هَلْ أنتَ مُخلِدِي
ومن رأى النصب هناك رأى نصب " أحضر ") انتهى
وقال ابن يعيش، في " شرح المفصَّل ":
(وقد اطَّرد حذفُ " أن " وإرادتها، نحو قوله، " من الطويل ":
ألا أيُّهذا الزَّاجِري أحضُرُ الوَغَى * وأنْ أشْهَدَ اللّذاتِ هَلْ أنتَ مُخلِدِي
والمراد: " أن أحضرَ "، فلما حذف " أن " ارتفع الفعل، وإن كانت مرادة) انتهى
وذكر ابن هشامٍ – رحمه الله – في " مغنيه ": أنَّ رفع الفعل هو الأشهر في بيت طرفة.
أخيرًا، قلتُ: جاء في أحد قَولي الرضيِّ وابن هشامٍ – رحمهما الله –:
أنَّ والفعل بعد " لولا " الامتناعية، على إضمار " أن "، على حدِّ قولهم: " تسمعُ بالمعيدي خيرٌ مِن أن تراه "
وقد ذكر الأستاذ محمد محي الدين، في هامش " أوضح المسالك ":
(إذا حُذف " أن " لم يبق عمله – وهو النصب – في الفعل، بل ينبغي أن يزول عمله، ويرتفع الفعل، إلاَّ في المواضع التي تُذكر في باب نواصب الفعل المضارع، فإنَّ وجود حرف كـ" حتَّى " ولام الجحود، و" كي " التعليلية، والفاء، والواو، يهون من أمر عمل " أن " محذوفا.
على أنَّ عمل " أن " نفسها في هذه المواضع مختلف فيه.
ومن النحاة مَن يجعل العمل لنفس الحروف الموجودة، تمشِّيًا مع قاعدة أنَّ العامل الضعيف لا يعمل محذوفا) انتهى
والله أعلم
مع عاطر التحايا
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[20 - 05 - 2005, 12:13 م]ـ
إخواني
اراها للتمني، فهو يتمنى لو ان الذم لا يحصل
والله اعلم