(هكذا أَنشده سيبويه، بتقديم " خَطْباءُ " على " فَرْخَينِ "، مُقَوِّيًا بذلك أنَّ اسم الفاعل إِذا وُصِفَ قَرُب من الاسم، وفارق شبَهَ الفعل) انتهى
قلتُ: ولم يتَّضح مذهب أبي عليٍّ الفارسيِّ، في هذه المسألة، وهي عمل اسم الفاعل، مع الفصل بينه وبين معموله بالصفة.
فقد أجاز في كتابه " الشِّعر " العمل، مستشهدًا بالبيت المذكور.
وجاء في " المقاصد النحوية ":
(وقال أبو عليٍّ: لا يكون " فَرخَينِ " منصوبًا إلاَّ بمُضمَر دلَّ عليه " فاقدٌ ".
ولا يكون منصوبًا بـ" فاقدٌ " لأمرين:
أحدهما: أنك قد وصفتَها بـ" خَطباءُ "، واسم الفاعل إذا وُصِف لا يَعمل.
والآخر: أنَّ " فاقدٌ " غير جارٍ على الفعل، إذ لو كان جاريًا عليه، لقيل: " فاقدةٌ "، فدلَّ على أنه بمعنى النَّسب، نحو: " امرأةٌ طالقٌ "، فلا يَعمل حينئذ عمل فعله) انتهى
وقد ذكر ابن عصفور في " المقرِّب "، أنَّ اسم الفاعل لا يعمل إلاَّ بشروط، منها: أن لا يُوصَف، وعن نصب " فَرخَين " في البيت المذكور، قال: (فعلى إضمار فعل، التقدير: فقدت فَرخَينِ) انتهى
وقال الأشمونيُّ في " شرحه ":
(إذ " فَرخَين " نصب بفعل مُضمَر يفسِّره " فاقِد "، لأنَّ " فاقدٌ " ليس جاريًا على فعله في التأنيث، فلا يَعمل، إذ لا يقال: " هذه امرأةٌ مُرضِعُ ولدَها "، فدلَّ على لأنه بمعنى النَّسب، قال في " شرح التسهيل:
ووافَق بعضُ أصحابنا الكسائيَّ في إعمال الموصوف قبل الصفة، لأنَّ ضعفه يحصل بعدها لا قبلها.
ونقل غيره: أنَّ مذهب البصريين والفرَّاء هو هذا التفصيل، وأنَّ مذهب الكسائي وباقي الكوفيين إجازة ذلك مطلقًا) انتهى
بقي النظر في الإعراب:
" فاقدٌ ": مبتدأ مرفوع، عند الكوفيين
فاعل مرفوع بفعل محذوف، يفسِّره ما بعده، والتقدير: إذا رجَّعت فاقدٌ، وهو قَول البصريين.
" خطباءُ ": نعت لـ" فاقدٌ " مرفوع
" فَرخَينِ ": مفعول به منصوب، لـ" فاقد "، فُصِل بينهما بالنعت، عند الكسائيِّ ومَن وافَقه.
أو: مفعول به منصوب بفعل مضمَر، دلَّ عليه اسم الفاعل.
أو: منصوب على نزع الخافض، بـ" رَجَّعَتْ " والتقدير: " رجَّعَتْ على فَرخَينِ "، وهو أحد قَولي ابن مالكٍ – رحمه الله -.
والله أعلم.
مع عاطر التحايا