تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد روي عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال «كنت عند رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: من كان من معدّ فليقمْ، فقمت، فقال لي: اجلس. فعل ذلك ثلاثاً، قلت: يا رسول الله ممن نحن؟ قال: من قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ» «6» وغير ذلك من الأمثلة.

لكن الإسلام نهى عن سوء استخدام الأنساب، والمفاخرة بها لعصبية جاهلية، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «ليس منا من دعا الى عصبية، وليس منا من قاتل عصبية، وليس منا من مات على عصبية» «7».

وكان علم النسب في البداية واحداً من فروع علم التاريخ ثم ما لبث ان صار علماً مستقلاً له اصوله وفنونه واربابه .. وانبرى للاشتغال به كثير من علماء الامة امتداداً لاشتغالهم بعلم التاريخ الذي لا يستغني عن علم الأنساب والإحاطة به لمن اراد ان يعرف أمته واعلامها من الصحابة والتابعين والقواد الفاتحين والعلماء والمحدثين وغيرهم. وقد تواتر عن علماء الأمة التأكيد على اهمية هذا العلم، وبسطوا القول في فضله والترغيب به في مقدمات مؤلفاتهم في الأنساب.

فالإمام ابن حزم لم يكتف ببيان فضل هذا العلم ومشروعيته لكنه رد بحزم على من قال: إن العلم به لا ينفع والجهل به لا يضر.

ويقول الإمام السمعاني في مقدمة كتابه الأنساب: «وكان علم المعارف والأنساب لهذه الامة من اهم العلوم التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيهم» .. ثم ساق رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به ارحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الاهل مثراة في المال منسأة في الاثر» «8».

وقال ابن الاثير «ت 630هـ» في مقدمته: «وهو مما يحتاج طالب العلم إليه، ويضطر الراغب في الأدب والفضل إلى التعويل عليه». فهو ليس علماً مباحاً فقط ولكنه مستحب شرعاً إذا كان القصد منه تحقيق مراد الله سبحانه وتعالى في التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى .. ولهذا فقد عني به علماء الأمة قديماً وحديثاً، ولعل هذا العلم يكفيه شرفاً وفخراً أن يكون ابو بكر الصديق رضي الله عنه من اول المهتمين به والمتضلعين فيه، ثم توارثه الصحابة والعلماء من بعده فكان من اول من ألف فيه من الرعيل الأول الإمام الزهري «ت 124هـ».

وامتد هذا الاهتمام إلى عصرنا الحاضر فألف فيه علماء كبار منهم من هو من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية «9»، او قدموا لمؤلفات في الأنساب لغيرهم «10».

2 أسباب الاهتمام به في هذا العصر:

اولاً: الأسباب الغريزية

ويكتسب علم الأنساب اهميته لدى الفرد بوصفه سنة كونية وغريزة إنسانية لقوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الناس إنَّا خّلّقًنّاكٍم مٌَن ذّكّرُ وّأٍنثّى" وّجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وّقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا} [الحجرات: 13]. وقوله تعالى {وّهٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا} [الفرقان: 54]. فكلمة جعل اذا جاءت في القرآن الكريم في مثل هذا الموضع وفاعلها الحق سبحانه وتعالى فإنها تدل على سنة كونية من سنن الخلق وصفة ملازمة للمخلوق وستظل كذلك إلى أن تقوم الساعة، وذلك مثل قوله تعالى: {أّلّمً نّجًعّلٌ الأّرًضّ مٌهّادْا > وّالًجٌبّالّ أّوًتّادْا} وقوله تعالى {وّجّعّلًنّا نّوًمّكٍمً سٍبّاتْا > وّجّعّلًنّا الليل لٌبّاسْا}. اما الدليل على أن البشر خلقوا على هذه الصفة التي تقوم على صلة النسب، وسيظلون عليها إلى أن تقوم الساعة فهو قوله تعالى: {فّإذّا نٍفٌخّ فٌي الصور فّلا أّنسّابّ بّيًنّهٍمً يّوًمّئٌذُ وّلا يّتّسّاءّلٍونّ} [المؤمنون: 101]. وقد بين الحق سبحانه وتعالى الحكمة من خلق الناس على هذا الحال، وهي حاجتهم إلى التعارف، وما يترتب عليه من فوائد ومصالح تحتاجها الأمة .. وكذلك حاجة الإنسان إلى فئة ينصرونه ويشدون ازره، قال تعالى {وّفّصٌيلّتٌهٌ التي تٍؤًوٌيهٌ} [المعارج: 13].

إذاً فهذه الغريزة التي تدفع الإنسان إلى معرفة اصوله وجذوره، وهي التي تجعل كتب الأنساب تحظى بهذا الإقبال وهذا الرواج، ليس عند العرب فقط بل عند كثير من الأمم، مهما بلغوا من العلم والتقدم كما سنرى.

ثانياً: أسباب حضارية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير