وقد اعتنى أدونيس في المقدمة بشرح مفهوم التوحيد كما فهمه من كتابات ابن عبد الوهاب، فيحدثنا قائلاً إن: «التوحيد هو الأساس الذي تقوم عليه آراء الإمام محمد بن عبد الوهاب، هو البؤرة التي تنطلق منها، والمدار الذي تتحرّك فيه. لذلك لا بد، كي نفهم النظرة الوهابية إلى الإنسان والعالم، من أن نفهم، بادئ ذي بدء، نظرتها إلى التوحيد، ونعرف، بالتالي، ما يقتضيه، في منظورها، أم ما يوجبه.
التوحيد .. هو أن نعلم أن الله يتفرّد بصفات الكمال المطلق، وأن نعترف بهذا التفرّد، ونُفرده وحده بالعبادة. إنه إذن يتضمن توحيد اسماء الله وصفاته، وتوحيد الربوبية، وتوحيد العبادة: نُثبت ما أثبته الله لنفسه من الاسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة، بمعانيها وأحكامها، لا ننفي ولا نعطّل ولا نحرّف شيئاً منها. وننفي، تبعاً لذلك ما نفاه الله عن نفسه، معتقدين أنه وحده الخالق الرازق المدبّر.
هكذا يتم لنا الإيمان بأن التوحيد أصل الأصول، وأساس الأعمال، وبأنه حق الله الواجب على البشر، وبأن المقصود الجوهري من دعوة الرسل كلهم إنما هو الدعوة إلى الله».
وكما يفعل دعاة الوهابية عادة بالتحول إلى وصف الشرك، على أنه نقيض التوحيد، فإن أدونيس يفعل الشيء نفسه، ويعرف الشرك تماماً كما عرفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فيقول إنه: «نوعان: أكبر وأصغر. الأكبر هو الجلي: هو أن نجعل لله نِداً ندعوه كما ندعو الله، أو نخافه أو نرجوه أو نحبه كأنه هو الله، وحَدُّه هو: {بصرف العبد نوعاً من أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله}. والأصغر الخفي هو جميع الأفعال والأقوال التي تغالي في المخلوق. وحَدُّه هو: {كل وسيلة أو ذريعة يُتطرّق منها إلى الشرك الأكبر، من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة}».
وقد أحسن أدونيس التلخيص وأجاد، فهذه هي خلاصة ما يقوله السادة الوهابية في موضوع العقيدة، وهو قول في غاية الدقة والصواب.
الإنسان وقدره:
وفي مسائل القضاء والقدر التي خاض فيها شيخ الإسلام، محمد بن عبد الوهاب، بقدر محدود، وتجنّب الجدل فيها لعدم ضرورته، أو لقلة ما دعا للجدل في شأنه في بيئته قبل قرنين ونصف من الزمان، قال أدونيس إنه يلخّص أفكار شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في هذا المنحى، عندما يقول إنه: «لا يجوز أن نعد سبباً إلا الثابت شرعاً وقدَراً.
ولا يجوز الاعتماد على السبب، بل على المسبِّب المُقدِّر. ثم لا بد من أن نعلم مؤمنين أن الأسباب مرتبطة بقضاء الله وقدره، صغيرة كانت أم كبيرة، إن شاء أبقى سببيتها تجري على مقتضى حكمته، وإن شاء غيّرها، كي يحول دون اعتماد عباده عليها، وكي يظهر لهم كمال قدرته. فالإرادة المطلقة والتصرّف المطلق لله وحده. وهكذا فإن من يتوسل أية وسيلة ليرفع البلاء النازل عليه، أو ليدفع نزوله، معتقداً أنها هي الرافعة الدافعة، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، لأنه في هذا يقول بشريك مع الله في الخلق والتدبير، ويعتمد هذه الوسيلة، من دون الله، طمعاً بنفعها، أو رجاء لها».
وهذا ما يذكرنا بالجدل الذي دار بين القدرية، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، من جانب وبين الإمام تقي الدين بن تيمية الحراني الدمشقي (661 - 728هـ)، من جانب آخر. وتقي الدين الحراني هو الفارس الفكري الذي أتى على بنيان هذه الفرق جميعاً، وقوضه من القواعد والسقف، وجاء بالحق الأبلج، وتبعه في تبني رأيه في هذا الصدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
تقدمية الفكر الوهابي:
وعندما يتحدّث أدونيس عن تشدد الوهابية في تحريم الوسائل التي رفضها الشرع، كالتمائم، والسحر، والتنجيم، للتوصل إلى عالم الغيب أو التحصل على منافع معينة، يشير إلى أنهم إنما كانوا مدفوعين بدوافع عقلانية واعتقادات قاطعة بأن الإعتماد على هذه الوسائل هو من قبيل الانتقاص البين من سلطة العقل البشري، كما أنه أمر قد يدفع إلى تأليه غير الله تعالى.
¥