واعتذار لليهود الذين وقع عليهم ضيم أقل بكثير من الضيم الذي وقع على المسلمين نظرا لصغر جاليتهم، فلم يكونوا ضيوفا مستديمين على زنزانات محاكم التفتيش كالموريسكيين.
وهي الزنزانات التي تقيأ جنود "نابليون" لما رأوا آلات التعذيب التي تستعمل فيها لانتزاع اعترافات المتهمين، إذ مجرد تصور ذلك كافٍ في تهييج النفوس، فكيف إذا عاينته؟!، فحملهم ذلك على الانتقام من بعض قساوسة تلك المحاكم، مع أنهم كاثوليك مثلهم، بأن قتلوهم بتلك الآلات جزاء وفاقا، وأصدر نابليون أمرا بإلغاء هذه المسالخ البشرية، وكانت هذه حسنة من حسناته القليلة.
وحان وقت الاعتذار في العقد الأخير من القرن الماضي، فتصدى له العاهل الإسباني: "خوان كارلوس"، فما كان منه إلا أن ارتدى الطاقية اليهودية، وزار أحد معابد اليهود وراح يتملقهم بكلمات الاعتذار الحارة، مع أنهم أصحاب المصيبة الصغرى، ولم يعر المسلمين، أصحاب المصيبة الكبرى، أي اهتمام!!!!، مع أنهم بناة حضارة إسبانيا بشهادة المنصفين من أهلها، وقد احتفلت إسبانيا النصرانية، على تعصبها، في القرن الماضي بذكرى مرور 1000 عام على تولي أمير المؤمنين: عبد الرحمن الناصر، رحمه الله، سدة الحكم في بلاد الأندلس، بوصفه أعظم ملوك الأندلس، بل أوروبا، بل ربما العالم في زمانه.
فكيف يكون "خوان كارلوس" راعيا لمؤتمر يهدف إلى الحوار مع الآخر، وهو الذي تجاهل إساءة أجداده إلى الآخر، ولماذا يهرول الآخر دوما إلى هذه المؤتمرات، أو: "المؤامرات" عند التحقيق؟!!!.
إن موقف إسبانيا المعاصرة من الإسلام يمثله:
تيار منصف، يمثل الأقلية، لاسيما من دارسي الحضارة الإسلامية من الإسبان الذين يعتبرون الإسلام جزء من تاريخهم القومي، فلا يملكون إلا الفخر بمآثر المسلمين وإن كانوا على غير دينهم.
وتيار ديني متعصب: يمثله أصدق تمثيل:
قس كاثوليكي من قساوسة كنيسة "سانتا ماريا"، أو "مسجد غرناطة الجامع" سابقا، رأى أحد المسلمين ممن يرتدون العمامة الإسلامية، يهم بالصلاة في مسجد أجداده، كما يحكي أحد الفضلاء المعاصرين، فما كان منه إلا أن منعه، وطالبه بنزع عمامته أولا، فهي سمة إسلامية ظاهرة لا مكان لها في كنيسة كاثوليكية.
وما مواقف رئيس الوزراء الإسباني السابق: "خوسيه ماريا أزنار" من الإسلام، وتحيزه الواضح لجورج بوش في حربه العالمية على الإسلام منا ببعيد، فقد كان أحد أهم حلفائه في أوروبا بعد "توني بلير" و "بيرلسكوني".
وهذا التيار هو السائد ليس في إسبانيا فقط بل في عموم أوروبا التي تتوجس خيفة من الإسلام الزاحف من جنوب المتوسط، رغم هزيمة أتباعه نفسيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا.
والأوروبيون يرفضون الإسلام بشدة مع أنهم لا يعلمون عنه شيئا، فليس ثم إلا أفكار مشوشة وشبهات داحضة، ومع ذلك يدعون الموضوعية والعقلانية، وخوفهم من المواجهة الفكرية مع الإسلام دليل على وهاء حجتهم، ولذلك لجئوا إلى حيلة المؤتمرات الدبلوماسية لينتزعوا من المسلمين أي اعتراف بصحة ما هم عليه من باطل، تماما كما يفعل أهل البدع في "مؤتمرات التقريب" التخريبية بين المذاهب الإسلامية، فيمارسون "التقية" لخداع السذج من أهل السنة، لينتزعوا أي اعتراف بصحة طريقتهم المنحرفة في مقابل تضييق واضح على أهل السنة في البلاد التي رزئت بحكمهم.
ولو ظهرت أي محاولة موضوعية لنقد الأفكار، بالحجة والبرهان، بعيدا عن صخب المؤتمرات، لسارعوا إلى التشويش عليها، واتهام القائمين عليها بالتشدد وشق الصف المسلم وتمكين الأعداء من بلاد المسلمين، والعمالة "لأمريكا": التهمة المعلبة سابقة التجهيز لكل من يعترض طريقهم!!!، وهم الذين مكنوا أعداء الإسلام من أرض المسلمين من لدن الحروب الصليبية، مرورا باجتياح المغول بغدادَ، إلى الغزو المعاصر لبلاد الأفغان وأرض الرافدين.
وخير شاهد على ذلك: "الندوات الحوارية" التي يديرها الدكتور: محمد الهاشمي، وفقه الله وسدده، مدير قناة المستقلة، فهي محل تهجم كثير من أهل البدع، وقد سمعت بأذني مادة صوتية لسماحد السيد!!!، قائد المقاومة اللبنانية يتهم القناة بأنها تتلقى تمويلا من "الشيطان الأعظم"!!، ودعا إلى احترام الخصوصية الثقافية لكل طائفة، الخصوصية الثقافية التي تتيح لصعاليك طائفته التجول في أحياء أهل السنة في بيروت هاتفين: "اخرجوا لنا يا سنة يا أولاد .............. مع كيل السباب لصحب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!!، هذه هي الخصوصية الثقافية التي يجب على أهل السنة احترامها.
وهي نفس الخصوصية الثقافية التي يلح النصارى عندنا في مصر على احترامها، فعندما يتهجم الجرذ الهارب "زكريا بطرس" على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قناة "الحياة" لا يتحرك أحد، لأن له خصوصية ثقافية، وعندما يتحرك بعض المخلصين لإنشاء قناة تليفزيونية بإمكانيات متواضعة لدرء شبهاته، ونقد النصرانية المعاصرة وأناجيلها المحرفة نقدا موضوعيا، تثور ثائرتهم، ويصل الأمر إلى استعداء أجهزة الأمن على القناة التي تعدت على خصوصية القوم الثقافية!!!.
وهي نفس الخصوصية الثقافية التي تتيح لـ: "بيندكت" الشيخ الضال أن يتهجم على الإسلام، فإن تصدى له أحد، فإنه آثم قلبه بتعديه على خصوصية الآخر الثقافية.
فبأي مكيال يكيل أولئك القوم الأمور، وعن أي حوار يتكلمون؟!!!!.
والحق واضح وضوح الشمس لا يخشى صاحبه المواجهة، فليس عنده ما يخفيه خجلا، ولله در الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، إذ يقول: "إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة".
وهذا حال المخالفين لملة أهل الإسلام ونحلة أهل السنة، فلابد من أسرار يستقل بمعرفتها الخاصة دون العامة، بل لابد أن يجهلها العامة، وإلا انفرط عقد الملة أو الطائفة لظهور بطلانها نقلا وعقلا.
والله أعلى وأعلم.
¥